11 سبتمبر 2025
تسجيلدفاع الله عن المؤمنين مشروط بقيامهم بما عليهم (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) فما لم يتم الشرط لن يأتي المشروط؛ وذلك حتى يتم نضجهم في معركة الصراع بين الحق والباطل الممتد إلى قيام الساعة. إن السنن الكونية والتاريخية معا حاكمة بأن النصر السريع الذي لا يكلف عناء ولا تعبا، أو الذي يتنزل هينا لينا على القاعدين المستريحين؛ يعطل كل الطاقات المذخورة، ثم هو بعد ذلك سهل فقدانه وضياعه؛ لأنه رخيص الثمن، لم تبذل فيه من التضحيات ما يؤمن له بقاءه. من أجل هذا جعل الله دفاعه عن المؤمنين مشروطا بجهدهم وإن قل (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ).. وهذا الإعداد ليس خاصا بفئة دون أخرى، بل هو إعداد للأمة كلها، مقاتل مستعد، وطبيب يقظ، وغني باذل، وأم تعد، وعامل يصنع ويزرع، وإعلام يرصد وينقل، ومدرس يعلّم، وعالم يجمّع، وأطفال يعيشون أحداث أمتهم، هذا هو الإعداد المطلوب، أن تعمل الأمة كلها في سبيل رفعة دينها ونصرة قضاياه، كلٌ في المجال الذي يحسنه. وهذا لا يتأتى إلا في ظل عقيدة جامعة وبأمور منها: 1- إعلاء أخوة الدين على ما سواها: وهذا كان أول ما أسسه الإسلام في وجدان الأمة المسلمة: الأخوة العقدية التي تفوق أخوة الحسب والأرض، قال الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وقال مخاطبا الأمة في شخص نوح عليه السلام حين قال: ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) فكان الجواب: (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) مفهوم آخر للولاء والإخوة تجاوز به العصبيات القائمة أو القاتمة فــ(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله..) 2- الإيمان بأن الدفاع عن المظلوم واجب مقدس، وأن الله ناصر صاحبه: فالله لا يقدس أمة أسلمت المظلوم للظالم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لما رجع مهاجرو البحر (الحبشة) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة» ؟! قال فتية منهم: بلى يا رسول الله! بينما نحن جلوس، إذ مرت عجوز مِن عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قُلَّةً مِنْ ماء، فقام إليها فتىً مِنْ فِتْيانهم فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت (وقعت) على ركبتيها، فانكسرت قلتُها، فلما ارتفعت، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم، يا غُدر (يا غادر، يا ظالم)، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف يكون أمري وأمرك عنده غداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت.. صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم مِن شديدهم» ؟!). 3- الله غالب على أمره، وانتقام الله من المجرمين قريب {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}. 4- الدماء التي تراق في سبيل الحق ليس هدرا وإنما هي ثمن لما هو أعظم (إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) ثم إن الآجال مكتوبة وموقوتة، فمن مات شهيدا لم يتنقص من عمره دقيقة بل هذا وقت أجله وقد شرفه الله بتلك الفضيلة، ولا عبرة بتلك الأصوات النشاذ أو المنافقة التي قالت قديما (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) لأن القرآن رد إفكهم فقال:(...لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ). إن كل مسلم عليه واجب تجاه إخوانه المسلمين وقضاياهم الكبرى بحسب قدرته وطاقاته، وكل مسؤول عن نفسه يوم الدين.