14 سبتمبر 2025
تسجيلالصبر مر مذاقه لذا يحتاج إلى مقاومة للانفعال، وضبط للعواطف، وكبت للفطرة، ولذا فإن القرآن يصله بالله ويزين عقباه: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ}.. فهو الذي يعين على الصبر وضبط النفس، ويأتي الإيمان بالله ليصنع الفارق حين يجف القلب أو يرتجف كيان الإنسان من مصاب ألمَّ به أو طارئ طرأ عليه. يأتي الإيمان بلمسة قريبة عميقة تصادف القلب القلق فيسكن الجسد كله، لمسة تصادف الظلام الجاثم على الصدر فينبعث منه النور وينفلج فيه الصباح، لمسة تحيل القلب في لحظة أو أقل إلى سكون وطمأنينة وبشر، وكأن المحنة صارت منحا تستوجب الشكر! وكأنما هذا المصاب الجلل شراب حلو المذاق مع الإيمان، والإيمان وحده. ثم هذا لا يكون إلا للمؤمن كذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). يدرك ذلك جيدا من سمع سحرة فرعون وقد كانوا عبيد هوى لفرعون، لا يجرؤ أحدهم أن يتحدث في حضرته فضلا عن أن يرد عليه، وهم يقولون له في تحد واضح (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا). ويعلم ذلك يقينا من يسمع بلال بن رباح وقد كان مولى لأمية بن خلف وهو يقول - والحبال في رقبته وصبيان مكة يطوفون به في جبالها بلا طعام أو شراب ورمضاء مكة تفعل فعلها فيها، والصخر على صدره – أحد أحد. ويرى ذلك جليا من يشاهد خباب بن الأرت وقد تعرض لشتى ألوان العذاب من وضع الحديد المحمي على جسده وهو صابر محتسب، يقول خباب: لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن الظهر). و»الزِّنِّيرة» وقد عذبت حتى ذهب بصرها من شدة العذاب، وقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى! فقالت: (وما تدري اللات والعزى من يعبدهما، ولو شاء الله لرد علي بصري) فرد الله عليها بصرها. وخبيب حين عذب فقال له أبو سفيان: أتحب أن محمدا عندنا نضرب عنقه وأنت بين أهلك؟ قال: لا والله ما أحب أني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه. وفي عصرنا نراه واقعا ملموسا اليوم في (غزة) حيث الولد يصلي على عائلته، والوالد يودع أسرته، والقلب لقضاء الله ساكن، والأجر المرتقب واللقاء المنتظر يهون كل صعب ويذهب كل ألم. اللهم فرج عن أهلنا في غزة، وتقبل شهداءهم، وانصرهم نصرا مؤزرا.