12 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب ما بعد الحداثة!

31 ديسمبر 2014

يشكل فكر "ما بعد الحداثة" قطيعة مع أفكار الحداثة، كما يقول الفيلسوف الفرنسي آلان تورين، فإذا كانت الحداثة قد استدعت سلطات مطلقة، فإن هذه السلطات تفككت في عهد ما بعد الحداثة، بحيث شكلت قطيعة أخرى مع النزعة التاريخية، عن طريق إحلال التعددية الثقافية محل الوحدة. حيث تمت القطيعة مع المذاهب والفلسفات الكبرى، التي سعت لتفسير العالم على نحو شمولي، وكبّلت الفكر وساهمت في حجره في إطار ضيق، خصوصاً بادعاء احتكار الحقيقة.ظهر فكر "ما بعد الحداثة" في ظروف سياسية معقدة، وتشكل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتشار التسلح النووي، وإعلان ميلاد حقوق الإنسان، وظهور مسرح اللامعقول برواده (صمويل بيكيت، وأداموف، ويونيسكو، وأرابال)، وبروز الفلسفات اللاعقلانية كالسريالية، والوجودية، والفرويدية، والعبثية ، والعدمية، ومثل المنهج التفكيكي معبراً رئيساً للانتقال من مرحلة الحداثة إلى مابعد الحداثة. المنهج الفكري لما بعد الحداثة ينظر للإنسان على أنه جزء من الطبيعة ومتأثّر بمحيطه الاجتماعي وينظر للعقل على أنه متحيّز فلا يؤمن بالموضوعية ولا يؤمن بالحرية المطلقة ويدعو لكسر حاجز النخبة الذي قيدت الحداثة به نفسها، كما قام بإلغاء الثابت والمتحوّل والعقلانية كما يشير سلمان حبيب. وآمن بالفوضى والتشتت وعدم الهدفية وعدم وجود الحرية والاختيار للفرد؛ لأنه محكوم ببيئة وثقافة يعيش فيها واعتبر الإنسان ترساً في آلة اجتماعية.ويمكن الحديث في إطار "ما بعد الحداثة" عن أربعة منظورات تجاهها يقسمها د.سعد البازعي وميجان الرويلي، وهي المنظور الفلسفي الذي يرى أن "ما بعد الحداثة" دليل على الفراغ بغياب الحداثة نفسها، والمنظور التاريخي في حركة ابتعاد عن الحداثة أو الرفض لبعض جوانبها، والمنظور الأيديولوجي السياسي في تعرية للأوهام الأيديولوجية الغربية، والمنظور الاستراتيجي النصوصي تعدد المناهج وليست ثمة قراءة واحدة، بل قراءات منفتحة ومتعددة.المؤرخ الأمريكي جون لوكاتش يقول " إننا نعيش نهاية عصر الحداثة الذي كان قد ابتدأ قبل خمسمائة سنة، نحن الآن على مشارف عصر جديد لم تتضح بعد كل معالمه، نحن الآن في نهاية عصر بأكمله، ولكن قليلين هم الذين يعون ذلك أو يعرفونه في الواقع، إن معنى ذلك قد ابتدأ ينبثق في قلوب الكثيرين، ولكنه لم يظهر بعد على سطح وعيهم". العالم العربي يعيش بعيدا عن التفاعل مع كل هذه الأفكار والتوجهات؛ لأن الجائع لا يفكر عندما ينظر إلى القمر إلا انه يشبه رغيف خبز كبير؟!