10 سبتمبر 2025

تسجيل

هل وجدت معناك؟

31 أكتوبر 2023

للإنسان مطامح وجودية أعلى في هذه الحياة، تتجاوز إشباع الحاجات الرئيسية من المأكل والمشرب والمأمن، احتياجات تعكس التسامي المطلوب من الوجود الإنساني على هذه الأرض، فالحياة رحلة قصيرة لك كامل الحرية في جعلها ذات نكهة وأثر ومعنى، أو أن تعبر بها مخرّباً ومفسداً أو أن تمر فيها مرور عابر لا طعم له ولا لون! وفي ظني أن التسامي يتنامى بإدراك المرء لمعنى وجوده في هذه الحياة، والارتقاء يحدث عندما يسمو الإنسان بمطالبه وعطاءاته. لذا، فعندما تعيش معناك، فإنك تُسهم تلقائياً بدورك المقدّر لك فيها. وليس المقصد أنه من المتوّقع أن تكون عَلماً يُشار لك بالبنان حتى تقوم بذلك الدور، أو أن تكون إسهاماتك مُغيّرة للكون، أو ذات دوي تتقاذفه الأجيال، أو أن تكون تركتك اسما يُتغنى به، وأثرا تُعمى من نوره الأبصار ! وإنما المقصد هو أن إتمام دورك يكون عندما تترك الدنيا وهي من بعدك أجمل، أفضل، أحسن.. وأثرك فيها ولو قلّ ذا معنى تتركه في نفوس وعقول من حولك، وتأثيرك فيها وإن دقّ يكون كالبلسم للأرقى والأزكى والأجود، وهذا هو فن صناعة الأثر ولو بالقوة الناعمة التي لا تدركها كل العقول والأبصار، ولا تكاد تنكرها النفوس والقلوب الواعية. وذاك هو معنى الإحسان، بأن تضيف روحك في كل ما تؤديه حتى ينطبع بجمال معناك، وأن تضيف لـ (لوحة) الدنيا مساهمةً ولو كانت ضربة فرشاة تُحيي بريقها، قد تكون كلمة طيبة، أو بذرة بذرتها، أو ابتسامة خففّت بها عن أحدهم، أو حبا تنشره بمجرّد وجودك يألفك الناس وتألفهم، أو جمالا تُشبع به النفوس، أو فسيلة غرستها حتى ولو لم يأكل ثمرتها أحد! ومن يفعل الخير حتماً لن يُعدم جوازيه، إلهاماً لغيره، وإرثاً طيّباً يُذكر به حتى بعد رحيله، وهذا هو تمام مهمتك في هذه الحياة أن تمنحها من وجودك أثراً، ومن معناك إرثاً، ومن روحك جمالاً، ومن قلبك حباً لا ينتهي وإن فنيت! لحظة إدراك: عندما تُدرَك الحياة كهبةٍ غالية، فإننا نعي أن لها قوانين لتستقيم وتُحفظ، وهي شرعة سماوّية لا علاقة لها بأهوال البشر! فالحياة بسيطة عميقة، وموازين العمل والإحسان فيها مُنصفة، وأبواب التمكين فيها لا تُحدّ، الزاد فيها فقط هو طيب النوايا، وحُسن العمل، والتسامي ما استطاع المرء إليه سبيلاً، وإدراك المعنى من الوجود، دون الدخول في متاهات التصوّرات المشوّهة، والتعظيمات الفارغة للمظاهر على حساب معناها.