09 سبتمبر 2025
تسجيليتقلّب المرء في أمواج هذه الحياة ما بين مدٍّ وجزر، وارتفاعٍ وانخفاض، وتحليق وهبوط، وهذا هو ديدن الحياة وطبيعتها، فهي لا تظل على حالٍ واحد، أو هيئةٍ ثابتة. وما أن يفهم الإنسان تلك الحقيقة، ويعيها فعلاً من أعماقه إدراكاً من واقع تجربته، ومن عميق تأمله في صروف الدهر، وأحوال الأنام من حوله، حتى ينتقل إلى التعامل الحكيم مع الحياة، فيركب أمواجها باحترافٍ يقيه من السقوط أو الغرق، ويتراقص مع ألحانها صعوداً وهبوطاً مستمتعاً بكل ما تحويه، وقادراً على التلوّن معها كيفما كانت. لذا، فلعله من الأجدر أن يكون للإنسان منهج للتعامل مع صروفها وأوضاعها، وأن يتمكّن من التعامل الماهر الواعي مع أحوالها. ولا يكون ذلك إلا إن عرف كيف يتعامل مع إقبالها وإدبارها، فيغتنم رياحها إذا هبّت، ويقتنص فرصها إذا أقبلت، ويزيد من التمتع بنعمها إن انهالت، فيعمل شاكراً، وتقرّ عينه حمداً، ويمتلئ قلبه غبطةً وسروراً، ويسأل الله المزيد من فضله. وفي حال إدبارها، وانصراف أحوالها، وحلول نوازلها، فلا ألزم له من التمسك بحبل الله المتين، ليطمئن قلبه تسليماً وثقة بتدبير مولاه، ويعيد النظر في أحواله، وتقييم نيته ومسعاه، ويستعيذ بالله مما يخاف ويحذر، فما للشدائد من مهرب إلا بالوقوف والثبات بقوة الله، وما للعسر من تحوّل إلا بحوله. حينها يُدرك المرء حقاً ما للتواضع من معنى، فلا تأخذه العزة بالإثم، ولا يغفل عن شكر آلاء ربه، لأنه يعلم حقاً مدى ضعفه، ويدرك في المقابل حاجته وقت هوانه. • لحظة إدراك: من الجليل أن يعيد المرء النظر في تقييم ليس فقط ما ينوي ويبذل من السعي والعمل، وإنما كذلك يطيل التأمل في منهجه في التعاطي مع الحياة، وردود أفعاله تجاه ما تجابهه به من الصروف والتقلبات، حتى يكون على بيّنة من نفسه، وعلى وعيٍ سابق بما سيبذله في كل ظرف، فلا يطول اغتراره بنفسه أو بإقبال الحياة عليه، ولا يفقد الأمل ويضعف حين انصرافها عنه. كما قال سبحانه: ( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)