11 سبتمبر 2025

تسجيل

التصفية الاختيارية للشركات وجريرة الدائنين

31 أكتوبر 2023

الائتمان التجاري هو شريان العمليات التجارية، وهو في حقيقة الأمر أهم خصائص التعامل بين التجار أو بالأحرى الدائن والمدين بدين تجاري، والمقصود بالائتمان التجاري هو أن التاجر الدائن يستطيع أن يتخلص من بضاعته بسهولة ويسر لتجار التجزئة عبر السداد اللاحق على التسليم. بذلك يستفيد كل الأطراف. فالطرف الأول يستفيد بأنه يتخلص من البضاعة المكدسة، والطرف الثاني يشرع ببيع بضاعة حصل عليها بالائتمان أو ما يسمى بالعامية "بالدين"، وهذا بالتحديد ما يحدث. إلا أن المشكلة في الائتمان التجاري عند فقدان الثقة وعدم قدرة المدين على السداد، أو عدم تحصيل الدائن الضمانات الكافية من المدين حتى يشرع بإمداده بما يلزم. لذلك فإن عملية الفحص والتحري Due Diligence سواء على التاجر المدين الفرد أو الشركة أمر بالغ الأهمية في أهلية الأخير للحصول على ائتمان من عدمه. إلا أن المشكلة التي تسبب بها قانون الشركات، والتي بلا شك، ستؤثر على مؤشرات دولة قطر أمام التقارير التنافسية عن جدارة ريادة الأعمال هي الضمانات القانونية الممنوحة للدائنين للحصول على أموالهم سواء ضد أشخاص اعتبارية أو غيرهم. ومعضلة قانون الشركات بأنه لم يعط أهمية تذكر للدائنين عند المطالبة القضائية بأموالهم ضد الشركة المدينة. وحتى أكون دقيقاً في عباراتي، فإن فارس الواقعة هو الشركة المدينة، عندما تقدم على حل الشركة وتصفيتها رضائيا من قبل الشركاء، وشطب سجلها التجاري - في أيام أسرع من مجرى السحاب- أمام إدارة السجل التجاري. فإن الدائن ليس له الحق في رفع دعوى قضائية ببطلان إجراءات التصفية المعيبة أو إجراء الحل الذي أقدم عليه الشركاء قبل انتهاء مدة عقد الشركة، حتى لو كان الدائن بيده حكم قضائياً هو عنوان للعدالة. وهذا ما اتجهت إليه محكمة التمييز في آخر أحكامها 2023 بأن الدائن ليست له الصفة في طلب بطلان إجراءات الحل والتصفية الاختيارية والشطب من السجل التجاري التي أقدم عليها الشركاء حتى وإن كانت الشركة مثقلة بالديون. وهذا الوصف، لو تصدر المشهد، فإنه بلا شك سوف يحجم المصدرين من الدول الأخرى على إرسال بضائعهم إلى دولة قطر قبل الحصول على المبلغ كاملاً. ومسايرة لهذه الوقائع، وحكم محكمة التمييز الحديث، لا يسعني في هذا المقام إلا التفكر في العبارة التي وردت في أكثر من موضع في قانون الشركات “مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية". وهذه الجملة تلازم عدة مواد قانونية في مطلع بيانها. ولم تُكتب سهواً أو خطأً، بل إن المقصود هم الدائنون حسنو النية الذين ما فتئوا عن المطالبة بأموالهم التي تنصل منها الشركاء والمدراء متخفين وراء غطاء قانوني يسمى الشركة. إن نظام تصفية الشركات التجارية في الفصل الثاني من قانون الشركات وأمام وزارة التجارة في حاجة إلى مسايرة تطور الأحداث السريعة، وفرض نظام قانوني صارم، ودقيق، للحفاظ على حقوق الشركاء والدائنين من استغلال طرف على حساب طرف، بسبب قصور تشريعي. فمحاضر الجمعيات العمومية الوهمية، والمصفي الذي لا يحمل شهادة محاسبة، بل أحياناً لا يحمل أية شهادة، وعدم تيقن إدارة السجل التجاري من مرور فترة 75 يوما على الإخطار بالنشر أو 45 في التعديل التشريعي الجديد، وعدم استطاعة كل ذي مصلحة الحصول على عقود تأسيس الشركات من وزارة التجارة، أو عدم امكانية كل ذي مصلحة من الاطلاع على تقرير التصفية الشامل في التصفية الاختيارية لدى وزارة التجارة، وعدم تمكن كل ذي مصلحة من معرفة تاريخ تعيين المدراء السابقين أو تاريخ عزلهم عبر التأشير في السجل، كلها مواضع تحتاج إعادة نظر. محام وأستاذ القانون التجاري المساعد، كلية القانون، جامعة قطر.