29 أكتوبر 2025
تسجيلترتكز فلسفة حوكمة الشركات على تعدد أقطاب المراقبة داخل الشركة، درءا لأي إساءة في استخدام رأس مال الشركة أو أموال المساهمين لأغراض شخصية من قبل الإدارة التنفيذية أو مجلس الإدارة أو المساهم المسيطر. وكان أبرز هذه التغيرات في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، عندما احتدم الحديث في الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة إعادة صياغة دور مجلس الإدارة في الشركة. وبالتالي، أصبح جل هم مجلس الإدارة مراقبة الإدارة التنفيذية في تصرفاتها ما إذا كانت لصالح الشركة ومنع التعدي على أموال المساهمين لأغراض شخصية. إلا أنه في مطلع الألفية، احتدم النقاش مرة أخرى بسبب الفضائح المالية وفشل مجلس الإدارة في دوره أن يكون مطلعاً ومراقباً على مجريات الشركة، أو منع التصرف في أموال المساهمين لأغراض لا علاقة لها برؤية الشركة وخصوصاً في تضارب المصالح. وهنا برزت فكرة عضو مجلس الإدارة المستقل الذي بدوره يكون في موضع المراقب على أفراد مجلس الإدارة. وفكرة وجود العضو المستقل بسيطة، فهو يقول رأيه ويتخذ قراره بناء على الحيادية والموضوعية دون تأثير من الإدارة التنفيذية أو العضو التنفيذي أو المساهم المسيطر. فالعضو المستقل لا يماري أحدا في رأيه، ولا يحابي أحدا على حساب غرض الشركة. وتجلت أهمية العضو المستقل في كونه صمام الأمان في التحقق من نزاهة صفقات ذوي العلاقة من أنها لصالح الشركة في المقام الأول. وقد تبنى المشرع فكرة العضو المستقل في أول نظام لحوكمة الشركات في العام 2009، واستمر كذلك في النظام 2014 وصولاً إلى النظام الحالي 2016. وقد أفرد نظام حوكمة الشركات المعايير التي تنافي استقلالية عضو مجلس الإدارة، ومنها أن يكون مالكا (1 %) من الأسهم أو أن يكون ممثلا لشخص اعتباري يملك (5 %) من الأسهم أو أن يكون بالإدارة التنفيذية العليا للشركة خلال السنة السابقة على انتخابات المجلس أو أن تكون له صلة قرابة من الدرجة الأولى مع أي من أعضاء المجلس أو الإدارة التنفيذية العليا بالشركة... إلخ. وقانون الشركات، أضفى الشرعية القانونية على ضرورة أن يكون ثلث أعضاء مجلس الإدارة من المستقلين. فبينما كان وجودهم جوازياً في قانون الشركات رقم 11 لسنة 2015 عند إصداره، أصبح وجوبياً في التعديل التشريعي رقم 8 لسنة 2021، إلا أن القانون ترك لنظام حوكمة الشركة في تحديد ماهية الاستقلالية وما ينافيها. الشاهد، أن العوار الذي ينتاب نظام عضو مجلس الإدارة المستقل من 2009 حتى الآن يستحق إعادة النظر به مجدداً. إذ إن المشرع عندما تبنى فكرة العضو المستقل لم يأخذ بالحسبان البعد القانوني والاجتماعي أو الثقافي لكي يتم مواءمة هذه الفكرة في الشركات المساهمة المحلية. أولا، بالرجوع إلى الشروط ما ينافي الاستقلالية، نجد أنه قد يكون هنالك عضو مجلس إدارة مستقل على الرغم من وجود صلة قرابة من الدرجة الثانية!!! وقد أجمعت أنظمة حوكمة الشركات المقارنة كنظام الحوكمة البريطاني 2018 أو التحديثات اللاحقة في 2023 أو نظام الحوكمة في بورصة نيويورك بأن درجة القرابة بالمرتبة الثانية هو ما ينافي الاستقلالية. ثانيا، كما أن نظام الحوكمة لم يعتنق مسألة ما ينافي الاستقلالية لجلوس العضو المستقل لفترة تزيد على دورتين في المجلس كما تبنته الأنظمة المقارنة، حيث إن نظام الحوكمة البريطاني نص صراحة على ما ينافي الاستقلالية جلوس عضو مجلس الإدارة لأكثر من 9 سنوات. وما يدفعني لإثارة هذه النقطة بأن هنالك أعضاء مستقلين في شركات مدرجة ببورصة قطر لأكثر من 4 دورات. إن التركيز فقط على القواعد الموضوعية وإهمال القواعد الإجرائية يخل بالاستقلالية. حيث إن ترشيح عضو مجلس الإدارة المستقل يتم بناء على توصية لجنة الترشيحات في مجلس الإدارة. وهي لجنة معنية في تعيين المرشحين لشغل منصب العضو المستقل. إلا أنه – وبسبب ما – فات نظام حوكمة الشركات بأن لجنة الترشيحات في مجلس الإدارة لا يترأسها عضو مستقل أو لا يشكل المستقلون فيها الأغلبية. بمعنى آخر، أن المساهم المسيطر هو الذي يتحكم في لجنة الترشيحات، التي بدورها ترشح الأعضاء المستقلين!!!. أخيراً، يجب إمعان النظر في من يتقلد منصبا حكوميا رقابيا ويعين كعضو مستقل في الشركات المدرجة في بورصة قطر. للحديث بقية في مقال آخر...محام وأستاذ القانون التجاري المساعد،