15 سبتمبر 2025

تسجيل

امحها يا علي..!

31 أغسطس 2022

عقد صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة بين المسلمين، وكان قائدهم النبي - صلى الله عليه وسلم-، وبين كفار قريش ويمثلهم رسولهم سهيل بن عمرو، وكان كاتبه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-، فلما اتفق الطرفان على بنود الصلح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي اكتب «بسم الله الرحمن الرحيم»، فاعترض سهيل وقال اكتب «بسمك اللهم» فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم- عليها؛ ثم أكمل صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، سهيل بن عمرو»، فاعترض سهيل وقال: لو كانوا يعلمون أنك رسول الله ما صدوك وما قاتلوك، وطلب أن يكتب اسمه فحسب، فوافق النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال: «امحها يا علي» فامتنع علي - رضي الله عنه - عن محوها تأدباً، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيفة فمحاها، وقال: اكتب «محمد بن عبدالله»، متنازلاً -صلى الله عليه وسلم- عن بعض الميزات والمكاسب الآنية المحدودة من أجل الفوز مستقبلاً بمكاسب أعظم. يا لها من عبارة بسيطة في كلماتها ولكنها عظيمة جدا في مغزاها. "امحها يا علي"، عبارة آمرة وحازمة في نفس الوقت توضح نظرة القائد الحقيقي، فهو أحيانا يرى ما لا يراه الآخرون بحكمته ورجاحة عقله وخبرته في الحياة وفي القيادة وأيضا في حنكته وقدرته على حل المشكلات الصغيرة قبل الكبيرة. فكل مشكلة بغض النظر عن حجمها وطبيعتها قد تؤخر المسير، وتساهم بعدم النجاح في المهمة الكبرى. تبدو عبارة "امحها يا علي" في الظاهر وكأنها تعبير عن الاستسلام لشروط مجحفة وأنها تدل على هزيمة للمسلمين، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يريد دما ولا عنفا ولا استعراض قوة بقدر ما يريد النصر المؤزر للإسلام وللمسلمين بفتح مكة وإن كان ذلك عبر خطوات متدرجة وباستخدام لغة لينة.. وهذا ما كان في النهاية. نعم.. لقد حدث النصر ولكن بعد تلك الحادثة بسنتين. ففتحت مكة على ما أراده المسلمون وقائدهم العظيم. وكان الفتح الكبير إشارة على ما يأتي لاحقا من فتوحات، وما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- درسا ناجحا اقتدى من بعده القادة المسلمون الكبار في فتوحاتهم. إن القائد الناجح هو من يصنع الظروف الجيدة والبيئة المناسبة للمحافظة على من حوله ويهيئ لهم سبل التقدم والنجاح.. سواء أكان ذلك في أسرة أم مدرسة أم وظيفة أم علاقة زوجية، أو حتى علاقة جيرة وصداقة وغيرها.. فكلها تحتاج قيادة ناجحة. فما أحوجنا لتلك القاعدة النبوية العظيمة في كل مناحي حياتنا.. ما أحوجنا لها على سبيل المثال في بيوتنا وبين الزوجين ما أحوجنا لها بين الاخوة. فهي قاعدة اسرية، كما أنها قاعدة إدارية في العمل بين المدير والموظفين لإنجاز العمل، ما أحوجنا لهذه القاعدة الذهبية بين الأصحاب والأقارب والاهل، وما أحوجنا لها في الشارع. نعم.. هي قاعدة تصلح لصلاح المجتمع، حيث ينبغي علينا أن نتجاهل أحيانا بعض الصغائر، ليبقى الود. وما بدأنا به من حادثة تاريخية قد تكون في ظاهرها مجرد قصة ولكن حقيقتها جوهر... ونحن نحتاج هذه الأيام ذلك الجوهر فعلا لتسير بنا الحياة بشكل أجمل وأيسر. وكل هذا بيني وبينكم.