12 سبتمبر 2025

تسجيل

قبل نضج التين والعنب

31 أغسطس 2016

في "عموريّة" كان جيش المعتصم قد أدّى أوّل الصيف مهمته، التي اشتهرت فيما بعد على لسان شاعرٍ كبير هو أبو تمّام، الذي أثّر في النصّ الشعري، وأدخله مدرسة المنطق، وجمّلها بتوابل اللغة الجديدة "البديع". ولكنّ الذي أخذني إلى هذا النصّ، توصيفه توقيت الإنجاز العسكري، في الصيف الحارّ، إذ بدأت المعرك أواخر شعبان عام 223 هجرية، واستمرّت حتى فتح عمّورية 17 رمضان، وهو ما يقابل آخر يوليو حتى آخر أغسطس عام 833 ميلادية. وفي هذا الصيف القائظ، يكون الإجهاد أكثر، وهذا ما يتعب المحاربين، وقد كثرت الشكوى منها، ولعلّ ما وردنا منها في خطبة سيدنا علي رضي الله عنه، يشرح ذلك: "إذا أمرتكم بالسير إليهم في الحر قلتم حرارة القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا الحر". ولهذا جاءت المرويات التي نصح فيها المنجمون الحليفة المعتصم بعدم القتال في الصيف، ولكنّ الخليفة يذهب في قراره تحت ضغط اجتماعي ديني، وإعلامي إن صحّ التعبير، في التنديد بسقوط عمورية على المساجد، وفي القصائد الأدبية. يظهر ليل أبي تمام الصيفي كثير النجوم "شابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ" ونهاره شديد الحرّ، فالجندي الهارب من نار الحرب يعدو "مِنْ حَرّهَا عَدْوَ الظَّلِيم"، ويقارن بينهما (الليل والنهار" مقارنة لونية، بعد أن تبادلا السواد والبياض، لاشتعال النيران ليلًا، وانتشار الدخان نهارًا: "ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفةٌ/ وظُلمة منَ دخان في ضُحى شحبِ"، لكنّه يؤجّل الإفصاح عن وقت المعركة حتى الثلث الأخير من القصيدة، في تعريضه بالمنجمين، الذين لم ينجو منه في أولها، فها قد تمّ النصر قبل مغادرة الصيف، مشيراً إلى فاكهة الصيف الشهيرة "التين والعنب" المشهورة في تلك البلاد: "تِسْعُونَ أَلْفًا كآسادِ الشَّرَى نَضِجَت/ جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ". يسمّونه في الشام "آب اللهاب"، وفيه جرت معارك شهيرة كاليرموك، وجالديران، ومرج دابق.