12 سبتمبر 2025

تسجيل

الشاعر ساردًا

08 فبراير 2017

هيمن الشعر على السرد اللاتيني الذي أنجز "الواقعية السحرية" وتسرّبت أوهاجه في ثنايا سرد العالم، ومنه السرد العربي في نماذج محمد المنسي قنديل وأمير تاج السر وأحلام مستغانمي، ونماذج تالية كثيرة ضربت في شعاب الشعر، وبهذا هيمنت الرواية حين خطفت الشعر وأضافته إليها.لفتني إلى ذلك نصّ الشاعر المصري ياسر الزيّات الذي نشره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وجاء فيه: "وضعت خيطًا على الطاولة، وسميته النهر، وكسرت كأسا، وسميتها الطريق. بيديّ هاتين، وضعت المقعد فوق المقعد فوق المقعد، ليرى النملُ جبلًا". وحسبت أن الشعر قد انتصف من النثر. وبدا لي أنّ الذهاب إلى السرد يعيد الأمل إلى القصيدة التي نكتبها الآن.يبدو نصّ ياسر الزيّات وكأنه ضربة ريشة مجنونة آتية من دفاتر السرد العبّاسي، تلك القصاصات المبثوثة في الأغاني وألف ليلة وليلة، والنثر الصوفي، وفي تعبير يختصر سرديات العالم من مسخ كافكا إلى أمير سانت أنطون أوكزبيري "فكرت في أن أضع صرصارًا، ليعطي الطاولة طبيعة الدراما، أو كلبًا ليمنح النهر شكلًا تراجيديًّا غائمًا". ولكنّه بعيدًا عن حمولته الثقافية المركّزة، فإنه نصّ آسر، يأخذ أبطاله الصغار إلى بريّةٍ غامضة، ويلعب معهم لعبة المصائر، كروائي يصنع أحداثه، ولكنّه يدرك قبل كلّ شيء أنّه رهينة راوٍ آخر: "يا أبي، يا أبي، كنتَ تظنني قمرًا، وكنت أضحك، وأطير في السماء كما يليق بقمر صغير. انطفأتُ الليلة، فبكتِ الذئاب في الحقل، وتألمت الوديان من شخير الجبل. أنا جبلك يا أبي، جبلك لا قمرك، ولم أتحرك منذ أن تركتَني على الطاولة وحيدا، وذبتَ".يجترح الشاعر دربًا نحو الجنون بوصفه المتاح أمام قوّة الشعر المتجدّدة في خضمّ هذا السواد الذي تنسحب فيه الكلمة وأصحابها.