13 سبتمبر 2025

تسجيل

قطار الشرق البطيء

18 يناير 2017

في تلك المحطة التي توقفت فيها قطارات آتية من الشرق والغرب، نزلنا، وشربنا الشاي، ومشينا، وتعرفنا إلى الكهل على كرسيه المتحرك، وابنته التي تدفع الكرسي، والعسكري العائد من الحرب، والعسكري الغرّ الذاهب توًّا إليها، والرجل الوسيم بنظاراته السوداء، والمرأة الصغيرة تحضن طفلها المريض. كان مساءً مكحّلًا بغيوم خفيفة، يدفعها هواء بارد، خفّف من برودته وشدّته، توسّطه محلّات المحطّة في تلك الواحة. وبدا المشهد ساحرًا لا يتكرّر، وتمنّى الجميع أن تتعطّل القطارات إلى الأبد. وتوهّمت أن الشاب الذي قرأ لي مقطعًا من قصيدة قديمة معي في الرحلة ذاتها، وأنّ باعة "التسالي" من أبناء الواحة في الأصل. قبل أن تصفّر القطارات، جمع الراوي الغيوم والمساء في جرابه، وذهب مع العساكر والرجل المريض في قطار الشرق نحو المدن القديمة، ووثب الرجل الوسيم والشاب غاوي الشعر والفتاة وباعة "التسالي" في القطارات الذاهبة إلى الجهات الأخرى. لم تكن ثمة خيانات أن يهجر هؤلاء الشرق، هكذا كنت أفكّر، ففي الجهة التي أيمّم ثمة فرصة للعيش، هناك من يشتري الحكايات، ويدفع جيّدًا، وثمة وجع صغير في كلّ شارع يحتاج إلى "بيدرو بارامو" جديد، يعيد للعجائز متعة الحكي، ولكنّي كنت ألمس خيبة أمل صغيرة، تكبر وتصغر، وتكبر وتصغر، حين أفكّر في الشاي الذي شربته في المحطّة، ولماذا لم أسرق عدّة الشاي مثلًا، أو أشتريها -حتى- فلا رواية من دون شاي (هكذا قلت وهززت رأسي). فيما العسكر والمريض يشتمون الغائبين، وأحيانًا يتبادلون الشتائم، كنت أقول لنفسي: سأفتش البيوت المهجورة حتى أجد إبريقًا وكؤوسًا وسكّرًا، ولو كلّفني ذلك أن أبحث عنه في جميع البيوت.