11 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); خلال يونيو المنصرم أبقت الخارجية الأمريكية على السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، رغم انتفاء أي مبررات موضوعية تماهيًا مع مجموعات الضغط التي يتعاظم تأثيرها وإن قل عددها. وبعد أسبوعٍ واحدٍ تصدى د. بيتر فام مدير مركز إفريقيا بالمجلس الأطلسي (Atlantic Council (للقرار بنشر مقال بتاريخ 8 يونيو 2016 يعبر حتى عنوانه عن كامل الدهشة إزاء القرار الذي تكذبه الشواهد وقد جاء المقال تحت عنوان: السودان لا يزال "دولة ٌ راعيةٌ للإرهاب"؟ ويستهل الباحث مقاله بوصف تقرير الخارجية عن حالة الإرهاب في العالم بأنه يتسم بما بين الإنذار بالخطر وإثارة الدهشة وانعدام المنطق. ويمضي قائلًا: "أورد التقرير في الصفحة 103 ما يلي: لقد عملت الولايات المتحدة مع الدولة X في مجال مكافحة التهديد الذي تمثله القاعدة والدولة الإسلامية في عام 2015، وقد تضمن التعاون الحد من استخدام الإرهابيين لطرق العبور والتساهيل عبر أراضي الدولة X.ثم يتنزل الكاتب إلى أن القارئ قد يصاب بالدهشة عندما يعرف أن الدولة X لا تزال على قائمة الدول الدول الراعية للإرهاب وهذه الدولة هي السودان! ثم يخلص إلى أن السياق دلالة على أن السياسة الأمريكية تجاه السودان غير متسقة ناهيك عن أنها غير عقلانية على حد قوله.ويضيف الكاتب أن الرئيس كلينتون برر اتهامه للسودان بأنها نقطة تجمع للإرهابيين وباستضافة بن لادن الذي استضافه الترابي آنذاك، ويمضي قائلا إن الترابي فقد موقعه عام 1999، وقد أوردت وزارة الخارجية الأمريكية – وفق فام – أن دعم السودان للقاعدة قد توقف.ويمضي الكاتب مستشهدًا بالعديد من الأمثلة على الدور الفاعل للسودان في مكافحة الإرهاب، ومن بينها اعتقاله المدعو أمينو صادق المتهم بتدبير تفجيرات بوكو حرام التي راح ضحيتها 70 شخصًا في أبوجا وتسليمه لنيجيريا. ويشير إلى تقدير الحكومة البريطانية للسودان من خلال دوره في إلقاء القبض على مريد ميظاني "الجنرال" الموصوف بأنه أكثر تجار البشر المطلوبين بإيطاليا وتسليمه، وهو إرتيري متهم بإغراق السفينة لامبيدوسا عام 2013 وقد راح ضحيتها 359 من المهاجرين. وهو يشير إلى مشاركة السودان في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن ولقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.ويقرر الكاتب أنه "من الصعب المجادلة بشكل وضع السودان في القائمة في حين أن تقرير الخارجية أشاد بتعاون الخرطوم ضد تمويل الإرهاب".ويعدد الكاتب مظاهر إسهامات السودان في قطع طرق تمويل الإرهاب حيث أنشأ بنك السودان وحدة المعلومات المالية 2014، كما وزع قائمة بالأفراد والكيانات المدرجة في قائمة الأمم المتحدة للجنة العقوبات، إضافةً للقائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، كما صدق على قانون مكافحة غسيل الأموال 2003. ويذكر الكاتب مفارقةً مفادها أن تقرير الخارجية الأمريكية اعترف أن القيود المالية على السودان من خلال وجوده بالقائمة قد تعرقل قدرته على التعاون في مكافحة الإرهاب بحسبان أن القدرة على مراقبة تدفق التمويل غير المشروع تتأثر سلبًا من خلال عسر معالجة المعاملات والتحويلات الدولية مما يضطر السودانيين للتحويل المالي نقدًا. وفي ختام مقاله ينصح الكاتب الإدارة الأمريكية بتوسيع دائرة الحوار مع المسؤولين الحكوميين والقطاعات الأخرى، مؤكدًا أن العناد في إبقاء السودان ضمن القائمة رغم انتفاء الأسباب لا يمثل الوسيلة الأنجع لتعزيز التفاهم المفضي للتصدي للصراعات المحلية والإقليمية.وقبل ذلك بأكثر من قرن قالها ونستون تشرشل في كتابه "حرب النهر"، عندما رافق حملة الجنرال كتشنر خلال معركة كرري بصفته مراسلا حربيا. ويقرر تشرشل أن من هم في إنجلترا وفي غمرة عجزهم عن بلورة أهدافٍ سياسية للحرب يخادعون أنفسهم بأن العدو "ميئوس منه وجدير بالازدراء ولذلك فقد وصم المهدي والخليفة بمختلف أشكال التعسف واتهما بكل الجرائم الممكن تصورها". ثم يمضي قائلًا: "لقد قيل لنا أن الجيوش البريطانية والمصرية دخلت أم درمان لتحرير الشعب من نير الخليفة، ولكن ليس من منقذين تعرضوا لعدم الترحيب أكثر مما واجهنا". وما يقرره اليوم بيتر فام لا يختلف كثيرًا عما أورده د. هينري كيسنجر عام 2002. ففي الصفحة الـ27 من كتابه "هل تحتاج أمريكا لسياسة خارجية؟" يقول: "المؤسف أن السياسة الداخلية تقود السياسة الخارجية في الاتجاه المعاكس. فالكونجرس يشرع ليس فقط تكتيكات السياسة الخارجية بل يسعى أيضا إلى فرض قواعد السلوك على الدول الأخرى عن طريق مجموعة من العقوبات. والنتيجة أن مجموعة من الدول تجد نفسها الآن في ظل العقوبات. ولقد رضخت الإدارات المتعاقبة، جزئيًا، لحلول وسط للحصول على الدعم لإنفاذ برامجها الأخرى، وجزئيا، ففي غياب المهدد الخارجي المباشر، تصبح السياسة الداخلية أكثر أهمية للبقاء على قيد الحياة السياسية أكثر من السياسة الخارجية". ويمضي ليقرر دور جماعات الضغط وتأثيرها عبر التعهد بالدعم والتهديد بنقيضه خلال الانتخابات. ثم يخلص إلى أنه عوضًا عن الحوار "تترجم التشريعات لوصفة إما أن تؤخذ كلها أو تترك كلها وذلك هو المعادل العملي للإنذار". وعلى النقيض من الاتصالات الدبلوماسية، التي عادة ما تكون دعوة للحوار، فإن التشريعات تترجم إلى وصفة يجب أن تؤخذ كلها أو تترك كلها وهي المعادل العملي للإنذار.ويبقى السؤال المهم" متى تستمع أمريكا لنصائح عقلائها بعيدًا عن التهديد والوعيد والقوائم المكذوبة؟