25 سبتمبر 2025

تسجيل

حلمي سالم .. وداعاً (4)

31 يوليو 2012

في زحمة الأحداث التي تتناهب شاشات الفضائيات العربية الذاهبة إلى استحقاقات شهر رمضان المبارك تنتزعها من ساعات البث المباشر عن الثورات العربية، أو ساعات الدم المباشر نقلاً حياً عن سورية ؛ وما بين استحقاقات الرياضة العالمية التي تجذب إليها أنظار الكون كل أربع سنوات في مظهر جميل للحروب السلمية بين الأمم في مدة نصف شهر؛ بين هذا الزحام المحموم تتناقل وكالات الأنباء خبر وفاة الشاعر المصري الجميل حلمي سالم ، شاعر قصيدة النثر ، و الصوت العربي المقاوم الذي عاش تجربة النضال القومي في الخندق الأول. قبل أن ألتقي حلمي سالم كنت قرأت له مقطعاً نثرياً لافتاً في مجلة الجسرة القطرية بعنوان القرين يكتب فيه :" لم يتحدث أحد عن الأندلس / كلّ ما جرى أنك نظرت في المرآة ". وراقتني مغامرة التحليل للمقارنة بين صورتين ؛ صورة الأنوثة الفائضة ، وصورة الجمال المستلب اللتين تتقافزان وتتبادلان الظهور من مكمن الدلالة إلى ظاهر المعنى في سياق لعبة لغوية ماكرة اجترحت لها مصطلح النصّ المتماوج ، وذلك قبل أن ألتقي الراحل في الدوحة في مهرجان الدوحة الثقافي الأول ، فأحدثه عما كتبته في نصه وعن قراءتي له ، فوافقني في ذلك متحمساً ، و أتاحت لي أيام المهرجان أن أقترب من عالم حلمي سالم ، استتبع ذلك لقائي معه في القاهرة بعد سنتين شاعراً محبوباً من الأجيال الشعرية المختلفة ، وإنساناً قريباً من القلب . عرفت حلمي سالم في نصوصه ( تحيات الحجر الكريم ) التفعيلية التي يقارب فيها الحجر الفلسطيني الغاضب بمفهوم الحجارة الكريمة مغترفاً من معين الانتفاضة الفلسطينية مفردات جديدة لمعجمه الشعري ، وعرفته في نصوص " شرفة ليلى مراد " و " يوجد هنا عميان " شاعراً مغامراً مجدداً ، يسلك طرائق جديدة في القول ، معيداً إلينا ذكرى جماعة " إضاءة " و الجماعة 77" في حضن السبعينيات ورحلة التحول نحو قصيدة النثر ، وعرفته في لقائنا العابر في القاهرة وهو يسرد بيروت الحصار عام 1982 قريباً من النار و الموت ، زاهداً في رغد العيش الذي سكنت إليه بعض الأسماء الأدبية. ورغم سنواته عمره التي لم تقارب سقف الستين بعد؛ فإن الأمراض لم تسعفه كي يقضي كهولة متعافية بل أودت به إلى النهاية في خضم الحراك العربي الجديد ، الذي غطى على كلّ أحداث الساعة ، فلم يبق غير خبر مجزرة أو انشقاق أو قصف جديد ، وكأني بأحمد شوقي يعزي بمصطفى المنفلوطي صاحب العبرات والنظرات الذي توفي يوم محاولة اغتيال الزعيم سعد زغلول ، فلم يحفل بموته سوى نفر قليل من أحبائه و أصدقائه .. فقال أمير الشعراء: اخترتَ يومَ الهول يوم وداعِ ونعاكَ في عصف الرياح الناعي من مات في فزع القيامة لم يجد قدماً تشيِّع أو حفاوة ساعِ *** يرحمك الله أيها الشاعر