02 نوفمبر 2025
تسجيلتؤكد الأرقام التي تم الكشف عنها حديثا عن تبيان أداء الاقتصاد القطري في العام 2010 ما يعد أمرا مفهوما في سنة تميزت بعدم ثبات القضايا الاقتصادية مثل أسعار النفط. هذا التباين واضح بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من جهة والنتائج الفعلية لميزانية الدولة للسنة المالية 2011-2010 من جهة أخرى. بداية، تؤكد إحصاءات كشف النقاب ربما لأول مرة سيطرة قطر على ربع صادرات الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم. تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في الوقت الحاضر تحديدا 77 مليون طن سنويا مقارنة مع 54 مليون سنويا في العام الماضي. وقد تمكنت قطر من تعزيز أهميتها في شق الغاز من القطاع النفطي في أقل من عقدين من الزمان. من جملة الأمور اللافتة، حقق الناتج المحلي الإجمالي القطري نموا اسميا أي غير معدل لعامل التضخم قدره 31 في المائة. يعد هذا الأداء متميزا في الظروف الطبيعية لكون الإحصاء من الأرقام الفلكية في علم الاقتصاد. بيد أنه لا يمكن إغفال الجوانب السلبية المرتبطة بتسجيل نمو اقتصادي كبير نسبيا خصوصا فيما يخص التضخم. وكان الاقتصاد القطري قد خاض تجربة التضخم المرتفع نسبيا في 2007 والنصف الأول من 2008 أي قبل الكشف عن الأزمة المالية العالمية وما سببتها من تداعيات سلبية. فقد تم تسجيل نسبة تضخم قدرها 14 في المائة في قطر في العام 2007 أي الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت نفسه، يشكل هذا المستوى من النمو في 2010 تصحيحا للنمو السلبي في العام 2009 وقدره في المائة. بكل تأكيد، يعود الأداء السلبي في 2009 بشكل جوهري للتداعيات المتعلقة بالأزمة المالية العالمية والتي ظهرت للعيان في النصف الثاني من 2008. وعليه يعود جانب من النمو النوعي للناتج المحلي الإجمالي للعام 2010 إلى النمو السلبي للعام 2009. وفيما يخص العام 2011، تتوقع العديد من المصادر استمرار تسجيل درجات معتبرة وربما أكثر واقعية للاقتصاد القطري. فمن جهة، يتوقع صندوق النقد الدولي بأن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بواقع 20 في المائة في 2011. ومن جهة أخرى، يتوقع تقرير أصدره بنك سامبا السعودي بأن ينمو الاقتصاد القطري بنسبة 19 في المائة في السنة نفسها. استنادا للأرقام المتضمنة في النشرة الإحصائية الفصلية لشهر مارس 2011 ومصدرها مصرف قطر المركزي، شكل القطاع النفطي نحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010. بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسنة 468 مليار ريال أو 128 مليار دولار. حسب متابعتي الشخصية، هذا الرقم يضع الاقتصاد القطري في المرتبة الثالثة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي أي بعد السعودية والإمارات لكن قبل الكويت. وقد نجح الاقتصاد القطري بإقصاء الكويت من مركزها التقليدي أي ثالث أكبر اقتصاد على مستوى دول مجلس التعاون. من جهة أخرى، تشير الأرقام المنشورة في النشرة الفصيلة للمصرف المركزي بارتفاع المساهمة النسبية للقطاع النفطي من 46 في المائة في 2009 إلى 57 في المائة في 2010 بالنسبة لحجم الناتج المحلي الإجمالي. يعود الارتفاع بالدرجة الأولى لتراجع دور القطاعات غير النفطية خصوصا عوائد الاستثمارات. وعليه لا توجد غرابة بتأثر الاقتصاد القطري بالأزمات والتحديات الاقتصادية في ظل اعتماده بشكل أساسي على القطاع النفطي أو النفط والغاز ما يعد أمر سلبيا بحد ذاته. وهذا يعني بأن الاقتصاد القطري يقع تحت رحمة التطورات في سوق النفط العالمية والتي بدورها تخضع لعوامل سياسية مثل الحروب واقتصادية من قبيل التضخم ونفسية مثل توجهات المضاربين. مؤكدا، يقتضي الصواب بتوظيف العوائد النفطية لإحداث تنوع في الاقتصاد الوطني بعيدا عن القطاع النفطي. وفيما يخص المالية العامة، تم تسجيل انخفاض في الإيرادات في السنة المالية الماضية بسبب انخفاض العائد من الاستثمارات وليس القطاع النفطي. وبشكل أكثر تحديدا، تراجع حجم الإيرادات من 46.3 مليار دولار في السنة المالية 2010-2009 إلى 38.6 مليار في 2011-2010. في التفاصيل، أسهمت الإيرادات النفطية 61 في المائة و49 في المائة من دخل الخزانة العامة في كل من السنتين الماليتين 2011-2010 و2010-2009 على التوالي. يعد التطور بحد ذاته أمرا غير إيجابي لأنه يجعل الاقتصاد أكثر وليس أقل اعتمادا على القطاع النفطي وهو القطاع الذي يتميز بخضوعه لتغيرات مختلفة كما أشرنا في الفقرات السابقة. وفي ظل انخفاض الإيرادات ونمو النفقات العامة، حصل تراجع لحجم الفائض المالي من المستوى التاريخي وقدره 14.8 مليار دولار في 2010-2009 إلى 4.4 مليار دولار في 2011-2010. بيد أنه يعد الفائض الذي تحقق أمرا إيجابيا كونه يشكل نحو 3.4 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للدولة. لغرض المقارنة، يلزم مشروع لاتحاد النقدي الخليجي الدول الأعضاء وبينها قطر تقييد عجز الميزانية العامة عند حد 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكما يلاحظ، تمتعت الميزانية العامة بهامش من الفائض المالي في الفترة موضع البحث. وبنظرة مستقبلية، ليس من المستبعد تعزيز حالة الفائض المالي للسنة المالية 2012-2011 بعد أن أعلنت الجهات الرسمية الميزانية العامة بإيرادات ونفقات قدرها 44.5 مليار دولار مقابل نفقات في حدود 38.3 مليار دولار نسبة نمو لافتة في الناتج المحلي الإجمالي القطري. بل ليس من المستبعد تعزيز دخل الخزانة العامة نظرا لتبني الرقم 55 دولارا للبرميل أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في السوق الدولية. ختاما، إذا كان الاقتصاد الصيني ماردا عالميا والحال كذلك، إذا يمكن اعتبار الاقتصاد القطري ماردا خليجيا بدليل مستويات النمو الاقتصادي.