12 سبتمبر 2025

تسجيل

ثلاثة وجوه

31 مايو 2022

الوجه الأول : قال الله تعالى في سورة البقرة: «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون»(٣٠). الانسان هو أكبر سر في هذه الدنيا. هو سر لنفسه وسر لغيره. عليه أن يكتشف نفسه، ويكون للآخرين أن يكتشفوه. وفي خضم اكتشاف الانسان لنفسه.. سيعرف بأنه يرى نفسه من الداخل بشكل يختلف عن الطريقة التي يراها فيها غيره. قد يرى الشخص نفسه على أنه حنون، ويراه الآخرون غليظ القلب.. قد يرى نفسه سليلاً لحاتم الطائي، وقد يراه الآخرون حريصاً-زيادة على اللزوم-على المال. ولا بأس أن ترى نفسك بطريقة مختلفة قليلاً عن الطريقة التي يراها غيرك، أو أن يروك بطريقة مختلفة قليلاً عن الطريقة التي ترى فيها نفسك. هذا طبيعي، ففي النهاية تعاملات الانسان مع غيره دائماً ناقصة، يوجد دائما نص منسي.. فكرة غير مكتملة لم تُقَل.. شيء ما لم يعرفه أو لم يفهمه الشخص الآخر. ويجب أن نتقبل الفجوة بين الطريقة التي نرى فيها أنفسنا والطريقة التي يرانا فيها الغير إن كانت فجوة بسيطة كما قلت، أما لو كانت الفجوة عميقة كأن يعتقد الانسان بأنه شخص جيد، وكل من يعرفه يقول بأنه شخص سيئ.. فهنا يلزم الشخص أن يراجع نفسه، فلربما كانوا على صواب وكان غروره أكبر منه دون أن يعرف. وقد تكون الفجوة في أن يعتقد الانسان بأنه شخص رديء وجميع من حوله يراه شخصا رائعا.. هنا يجب مراجعة النفس أيضاً ومحاولة التخفيف عليها حتى تطيب حياة الانسان. الوجه الثاني : الإنسان لن يرى أبداً شكله من الخارج. فهو ليس انعكاسه في المرآة و لا انعكاسه في الماء أو الهاتف. هو شكله الخارجي الذي يراه الآخرون من عيونهم، ولذلك لن يستطيع أبداً أن يرى شكله الخارجي بالضبط كما هو من الخارج. و في المقابل، لن يرى أحد أبداً شكله من الداخل كما هو تماماً وكما يعرفه الانسان. الوجه الثالث : تقول الحكمة اليابانية بأن للإنسان ثلاثة وجوه: الوجه الأول يراه العالم، والوجه الثاني يراه عائلته وأصحابه المقربون، أما الثالث فلا يراه سوى هو. وهذا الوجه هو الوجه الحقيقي للإنسان و أصدق انعكاس لنفسه. لربما يكون للإنسان أكثر من ثلاثة وجوه، يقسمها على زملائه و أحبابه و أعدائه و جيرانه و غيرهم.. وقد لا يتأثر هو ولا من حوله بتعدد وجوهه.. و لكن الأكيد بأن محاولة التوفيق بين هذه الوجوه طوال الوقت، هو أمر متعب، خاصة وإن كانت وجوها متناقضة! فاعرفوا أنفسكم من الداخل وأظهروها للخارج، حتى لا تعيشوا بأكثر من ثلاثة وجوه!