12 سبتمبر 2025
تسجيلتزخر الحياة الحديثة بوسائل الترفيه والراحة اللامتناهية، فهي تتوالى تترى نتاج التطور التكنولوجي المطرد في واقعنا المعاصر، وبالرغم من جملة الإيجابيات الملموسة التي لا يمكن إغفالها، فإن هذا التنامي المتصاعد يتساوق مع لون الرفاه والتقاعس والخمول الذي تسيّد أهم سمات المجتمع المتطور وتصبغ به، فآثار التقدم التكنولوجي السلبية تلطخ المجتمع، وتخوض حرباً استنزافية وخيمة على القيم والسلوك لا نهاية لها، وتؤصل لعادات موبوءة يتوفزها التغريب ومبدأ الحداثة. وقد لا يستشعر فئات من الناس ذلك الداء الآشر المتعسل بمذاق التقدم والرقي، الذي تخلّق ونما فاندس في النفس الواهنة فاجترعت العسل بسمه، وتتمظهر خصائصه في الأفراد الذين يشكلون جيل التكنولوجيا في وجهها المفزع، إذ ضعفت قدرتهم على الخروج من دائرة الراحة وشح شعورهم بالمسؤولية، وتلبسوا البلادة في الفهم والجسم، وبرزت الاتكالية في أعمق صورها، وتبدى مسخ التكاسل والخنوع الجاثم على صدر أمة تلجّ وتهتف بتحرير بيت المقدس وهي أهون من أن تبرح مكانها!، وأعجز من نفع نفسها!، حيث أصبح القيام بأي مجهود تافه هو الهم في حد ذاته، والإتيان بأي حركة هو قمة الشقاء والعذاب، حتى وإن كان على حساب قضاء مصالحهم، وكيف لا وهناك من يقوم بذلك نيابة عنهم في كل عمل يتطلب الحركة والديناميكية، فكل شيء يمكن تأجيله وكل شيء أصبح تحت مظلة "عادي وتمشي"، وسيكون على ما يرام، ما داموا يتنعمون في عروش الراحة والكسل، وبحسب جملتهم المدللة التي يفضلونها عندما يستشعرون بمدى حرصك ومدى تقصيرهم "الأمـــــور طيبة" فيحين الأجل ولم تطب الأمور، وبهذا قد يبددون فرصاً كبيرة وحقيقية من بين أيديهم، أو قد يتعرضون للتقصير في أعمالهم، وعدم إنجازها في الوقت المناسب أو على النحو المأمول، فتحدث الأخطاء الفادحة التي لا يمكن التغاضي عنها، وهذا أحد الأسباب المحررة في مجتمعاتنا والتي تعوقها عن الارتقاء إلى العمل الاحترافي. لا جدوى من الاستجمام والراحة إذا لم يتساو مع العمل والكد فهي آلاء عظيمة تستجيش الشكر ولن يلتمس فضلها إلا من أدرك مرارة غيابها، وإن كنت تريد قياس مدى ذلك فأمعن النظر في أيادي شباب هذا الجيل إذ يصعب عليك أن تميز بينها وبين يديّ الفتاة ترفاً وطراوةً !. لا شك أن الشعور بالراحة المطلقة والاسترخاء غير المشروط مطلب الطالبين، ومحاولة النأي عن أحضانه فداحة عظيمة، إلا أن شدة القرب حجاب، والنفس البشرية خوارة بطبيعتها، فالاستمتاع بهذا الشعور على وجه الدوام ينعكس سوءاً على من امتطاه فأدمنه، فلن يلحظ ذلك فيستدركه لانغماسه فيه. وأجد في رفع الوعي بآثار التكنولوجيا ومزالقها الطريق نحو الانعتاق من براثنها، ولابد أيضا من استحضار وخلق الظروف القاسية حتى وإن نبذتها طريقة عيشنا، فهي السبيل لصلب عود النفس وخنوعها وتجردها من لينها ورخوها المذموم. [email protected]