10 سبتمبر 2025
تسجيلعندما نقرأ القرآن في ميدان الجهاد يشرق في نفوسنا نوره، ونكتشف المعاني التي تضيء طريقنا لبناء المستقبل، وتحقيق النصر والمجد، ونعرف وظيفتنا الحضارية التي يجب أن نقوم بها في هذا العالم. ومفهوم العزة من أهم المفاهيم القرآنية التي يمكن أن تفتح لنا دراستها مجالات جديدة لإعداد قيادات المستقبل؛ التي تنطلق من الاعتزاز بالعقيدة الإسلامية، والإيمان بالله، والحب له، والخوف منه وحده، ويمكن أن نستخدمه لتربية شبابنا لعصر جديد، يتعاملون فيه بعزة المؤمن، وشجاعة من يتعلق قلبه بالله ويثق في نصره. هذا المفهوم نجده في عدد من الآيات التي أكدت أن العزة لله وحده منها: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)[النساء:139] و(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10]. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8]. والله سبحانه وتعالى هو رب العزة، وهو يعز من يشاء، والمؤمن يطلب العزة من الله وحده؛ فالذي يريد العزة؛ فإنه يطلبها بالانتظام في جملة عباد الله المؤمنين؛ الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد. وهذا المفهوم يتضمن الكثير من المعاني من أهمها المنعة والقوة والعظمة والغلبة والقدرة والشرف والمكانة والفضل، وهي نقيض الذلة. يقول الإمام الرازي: العزة غير الكبر، ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه- لغير الله - فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه، وإكرامها عن أن يضعها في غير موضعها اللائق بها، كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه، وإنزالها فوق منزلتها. والله سبحانه وتعالى أكرم المؤمنين بأن منحهم من عزته، وضمهم إلى جانبه، وربط بين العزة والإيمان، فعندما يستقر الإيمان في القلب ينطلق المؤمن في الحياة عزيزا، يرفض الذلة والهون والوهن. يوضح ذلك العلاقة بين العقيدة ومفهوم العزة؛ فعندما يرسخ في نفس المؤمن الاعتقاد بأن الله هو القوي العزيز، فإن حكمه على الأحداث والظروف يختلف، ولا يطيل النظر لما يملك العدو من قوة غاشمة، فتلك القوة يمكن أن تكون من أسباب الهزيمة والذلة عندما يصيب الكافرين والمنافقين الغرور فيغفلون عن قوة الله. إن المؤمن يقف عزيزا قويا أمام العالم كله، وهو يبذل كل جهده لامتلاك أسباب القوة عبادة لله وطاعة لأمره، لكنه يؤمن أن النصر بيد الله، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وهو ينتصر على شهواته ورغبات نفسه، فلا يكون عبدا لها، لذلك يتحدى الجوع والحرمان، ففي سبيل الله تهون الحياة، وفي هذا سر صمود شعب ظن دولة الاحتلال الإسرائيلي، والدول المتآمرة معها أن التجويع سيجعله يخضع؛ فإذا به يزداد إباء، ويقدم للشعوب المقهورة نوذجا للصمود والتحدي وشجاعة القلب والضمير والاستعلاء على الحاجات الدنيا طلبا لعزة الحرية والتحرير. والمؤمن يقاتل بأسلحته التي أنتجها بنفسه في أنفاق غزة جيش الاحتلال الإسرائيلي التي توفر له أمريكا كل أنواع الأسلحة المتقدمة التي يستخدمها في تدمير الحضارة وإبادة البشر.. وهذا أدى إلى تزايد الكراهية في العالم كله لأمريكا وأوروبا وإسرائيل. من يريد أن يكتشف هذا المفهوم القرآني، فلينظر إلى المؤمنين في غزة كيف يقاتلون؛ وكيف ملأ الإيمان قلوبهم شجاعة وثقة في نصر الله.. وهذا يمكن أن يسهم في تفسير حقائق التاريخ ومن أهمها أن المؤمنين الذين أعزهم الله بالإيمان به تمكنوا من أن ينتصروا على الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وتلك الحقيقة تتجلى اليوم؛ حيث قاتل المؤمنون في غزة وصمدوا، لأن الله أعزهم بأن يكون لهم شرف النصر على القوة الغاشمة. هؤلاء المؤمنون في غزة استعلوا على شهوات النفس وحاجتها، ورفضوا الخضوع لذل الاحتلال، وطلبوا العزة من الله وحده، فهو القوي العزيز الحكيم. وكل المسلمين سينتفضون قريبا ليعلنوا رفضهم للخنوع والخضوع والذل، وليطلبوا العزة من الله بطاعته وعبادته والجهاد في سبيله، ويومئذ سيعزهم الله وتعود لهم مكانتهم العالمية ودورهم التاريخي في تحرير البشرية كلها من العبودية والذل والظلم والقهر والخنوع. رسالة غزة واضحة: لن ننحني لغير الله، وسوف ينتصر المؤمنون الذين يعتقدون يقينا أن العزة لله، وأن النصر بيده، ومن يريد العزة يجب أن ينتفض، ويحرر نفسه من الذل ليحرر أرضه من الاحتلال.