11 سبتمبر 2025
تسجيلالثروة الفكرية والثقافية من أهم مصادر قوة الأمم، فهي التي تشجع الناس على الفعل والعمل ؛ والبحث عن الثروات المادية، واستخدامها في تحقيق التنمية والتقدم. كما أن الثقافة تشجع الأفراد على الابتكار وانتاج الأفكار الجديدة، وتزيد قدرة القيادة على بناء رؤية جديدة والتخطيط للمستقبل، لكن الاستعمار عمل طوال القرنين الماضيين على نشر ثقافة الخوف من التغيير، والاستسلام للواقع والعجز والسلبية ؛ فدمر قدرات الأمة.ثقافة الاستسلام للواقع ؛التي كان نشرها من أهم أركان الاستعمار الثقافي، كانت من أهم أسباب انتشار السلبية والجبن والخوف من التعبير عن الأفكار الجديدة، لذلك تخلفت الكثير من الدول لأنها لم تتمكن من توظيف ثروتها البشرية ؛ حيث شل الخوف قدرات الناس على التفكير والتعبير لذلك كان أهم انجازات الشيخ أحمد ياسين أنه قام بتربية جيل جديد رفض ثقافة الوهن والخوف والاستسلام للواقع، وأطلق العنان لخياله السياسي والاجتماعي والأدبي والعلمي ؛ فأنتج أفكارا جديدة لم يستطع العدو أن يتوقعها. ولقد قدم الشيخ المثل والقدوة لهذا الجيل من المقاتلين من أجل الحرية والتحرير، فأثبت لهم أنه مهما كانت الظروف، يستطيع الإنسان أن يقاوم، ويتحدى الواقع ويغيره، وينتج رؤية جديدة، وأن الارتباط بالإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وثقافة أهم مصادر قوة الانسان والأمة. هذه الفكرة ترسخت في عقول وقلوب جيل جديد من الشباب، وجذبت الكثير من الحالمين بالحرية والعودة وتحرير القدس وفلسطين، وتحدى هذا الجيل واقعه، بعد أن قام بدراسته علميا، حيث كانت القيادات التي رباها الشيخ أحمد ياسين تعرف جيدا قوة العدو، وكم عانت من ظلمه وقسوته في السجون. تلك القيادات امتلكت حلما شحذ العقول للتفكير والتخطيط لبناء المستقبل، وفجر الطاقات، وجعل الشباب ينتجون الأفكار ويعملون لتنفيذها، وكلما استشهد قائد تقدم قائد جديد يحمل في قلبه حلم التحرير، وينتج أفكارا جديدة لتحقيقه. استشهد الشيخ أحمد ياسين بكل ما كان يمثله لهذا الجيل، فهو الرمز والاستاذ الذي قام بصياغة الحلم والرؤية، وربي الجيل الذي يمكن أن يحققها، لكن المقاومة استمرت، وكانت القيادات الجديدة أمينة على الرؤية والحلم، فقامت بغرسها في قلوب الكثير من الشباب، وأطلقت خيالها لانتاج أفكار جديدة تتناسب مع التطورات. لقد أصبحت الرؤية هي أساس القيادة في شعب يحلم بتحرير أرضه، وكان من أهم نتائج تلك الرؤية أن انتفض عشرات الآلاف من الشباب، عملوا بكل طاقتهم لتغيير الواقع، فأنتجوا أسلحتهم في انفاقهم من مخلفات القنابل التي ألقاها عليهم العدو ليستخدمها في إبادتهم.لذلك كانت ثقافة المقاومة التي تشكلت منذ أن بدأ الشيخ أحمد ياسين رحلته في المساجد أصبحت أهم مصادر قوة شعب فلسطين، فلم يستطع جيش الاحتلال الاسرائيلي بقوته الغاشمة أن يكسر إرادة هذا الشعب بالرغم من أنه قتل أربعين ألفا، ودمر 70 % من بيوت غزة. من بين أنقاض البيوت ؛ التي دمرها الاحتلال يخرج المقاتلون من أجل الحرية لجيش الاحتلال الاسرائيلي ؛ فيقاتلون قتال الفرسان المؤمنين بأنهم سيحققون النصر مهما طال الزمن، ومهما كانت التضحيات. يخرج الفارس المؤمن لجيش الاحتلال، وهو يتمنى الشهادة لنفسه، وهنا يبرز مفهوم الشهادة باعتباره من أهم المفاهيم التي تقوم عليها ثقافة المقاومة، فهو المفهوم الذي جعل الشعب الفلسطيني يتغلب على الوهن والخوف والضعف. أما النصر فيؤمن كل المقاتلين المؤمنين بأنه بيد الله وحده، وانه سيأتي حتما في الوقت الذي يريده الله، فهو وعد الله للمؤمنين ولا يخلف الله وحده، ولذلك يقاتل المؤمنون عبادة لله وجهادا في سبيله طلبا لرضاء الله. هذه الثقافة لا يمكن أن تتعرض للهزيمة، ولن يستطيع جيش الاحتلال مواجهتها بقوته الغاشمة ؛ لأن الأفكار تنتشر، ويحملها المؤمنون بها، فتشحذ العزائم، وتسهم في تربية قيادات جديدة، فكلما استشهد قائد برز قائد جديد يحمل الرؤية ويعبر عن الحلم فيخطط، ويطور العمل.هكذا تحولت ثقافة المقاومة إلى أهم مصادر القوة، وهو مصدر متجدد لا ينضب، وكل يوم يتم اضافة الكثير من الأفكار له، ويظهر قادة جدد يحملون هذه الثقافة.. لكن هل يمكن أن تتحول هذه الثقافة إلى مصدر لقوة الأمة الإسلامية، ووسيلة لتغيير واقعها وبناء مستقبلها ؟!