17 سبتمبر 2025

تسجيل

ولكن الأمة الإسلامية ستظل فاعلا في التاريخ

28 يوليو 2024

تأمل معي بعض أحداث التاريخ؛ لتكتشف أن الأمة الإسلامية تعرضت للكثير من الهزائم المريرة، وأنها قدمت ملايين الشهداء، وتعرض المسلمون للكثير من المذابح، ومع ذلك ظلت الأمة حية تقوم بدور حضاري تاريخي في اضاءة طريق الحق للبشرية. دعني أقدم لك بعض الأدلة على أن هذه الأمة لا يمكن أن تخرج من التاريخ، وستظل فاعلا فيه؛ مهما بلغت قسوة الهزائم والمظالم والكوارث التي تتعرض لها. ويمكن هنا أن أشير إلى جانب جديد، وهو أن الهزائم التي تعرضت لها الأمة تثبت أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم، كما أنزله على سيدنا محمد عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام، وأنه بالرغم من كل تلك الهزائم التي تعرضت لها الأمة لم يستطع أحد أن يغير فيه حرفا، وظل هناك الملايين من الحفاظ والعلماء يحرصون على تلاوته، ويحفظونه بألفاظه ونسيجه الصوتي الذي يأسر القلوب. وبالتأكيد فإن تلك معجزة لا يمكن أن يكون الفضل فيها للأمة، بل إن الفضل لله سبحانه وتعالى وحده، فهو الذي حفظ كتابه، وهو مصدر حضارة الأمة وثقافتها وقوتها، وطالما أن هذا الكتاب موجود فإن الأمة ستشق طريقها قريبا لتستعيد مكانتها الحضارية. هذه النتيجة هي محصلة عشرات السنين من البحث العلمي، والقراءة المتعمقة للتاريخ، ولما أنتجه المستشرقون من كتب ودراسات بعضها كان يصدر من رؤية معادية متحيزة، والقليل منها التزم بقدر من البحث عن الحقائق بهدف مساعدة الغربيين على السيطرة على الأمة. لذلك يمكن أن أبرهن لك علميا على أن الأمة الاسلامية سوف تنتفض يوما وتقاوم وتنهض وتنتصر، فليست هناك هزيمة يمكن أن تستمر. لكن النصر ليس سهلا، فهو نتيجة لجهد وجهاد وعمل وتخطيط ووعي وعلم ومعرفة يجب أن يشارك فيه علماء الأمة، الذين يجب أن يطلقوا خيالهم، ويبحثوا عن أسباب الهزائم والانتصارات. أستطيع أن أقدم لكم الكثير من الأدلة من التاريخ، وسأكتفي اليوم بمثال واحد، عندما جمعت أوروبا كل قوتها المادية والدينية، وقاد ملوكها حملات صليبية متتابعة استغلت حالة الانقسام والفرقة والتشرذم والحروب الداخلية، وتمكنت من احتلال الشام وفلسطين، وارتكبت الكثير من المذابح من أهمها مذبحة المسجد الأقصي التي خاضت فيها خيول الصليبيين إلى ركبها في دماء العلماء وطلاب العلم، طبقا لاعتراف قساوسة شاركوا في الحملة ووصفوا ذلك في رسائل لبابا روما، حيث قدروا عدد الشهداء المسلمين بـ 70 ألفا. وهذا نموذج واحد فقط للكثير من المذابح التي ارتكبتها هذه الحملات. لو أنك سألت أحدا من الذين عاصروا تلك الأحداث: هل يمكن أن تنهض الأمة الإسلامية يوما وتنتصر؟ لنظر لك ساخرا كما يفعل اليوم الواقعيون المتغربون الذين يعيشون حالة الانبهار بالقوة الغربية. فلم يكن هناك ما يشير في ذلك الزمن إلى امكانية تغيير الواقع الكئيب، فالأمة تعاني من التمزق، بما لا يدع لأحد أن يجول بخاطره أن هذه الأمة يمكن أن تتوحد يوما. لكن المعجزة تحققت، فانتفضت الأمة وتوحدت، وقاومت الوهن، وانتصرت على عجزها وضعفها، فتمكنت من تحقيق انتصارات عظيمة كان من أهمها تحرير المسجد الأقصي، فالتاريخ يؤكد لنا أن الأمة الاسلامية تكون قوية عندما يكون هذا المسجد تحت السيادة الاسلامية، فهو مجتمع معرفة اسلامي يقوم بوظيفة حضارية، وتنتشر منه أضواء العلم. كيف حدثت هذه المعجزة، وكيف تمكنت الأمة في سنوات قليلة من استعادة وحدتها وهزيمة أوروبا. دعك من التفسيرات الغربية المتحيزة التي تدور حول ضعف الحملات الصليبية بسبب الصراعات فيما بينها. كما أننا نسير على نهج المؤرخين المسلمين في التركيز على دور القيادة، حيث إن القيادة المخلصة المؤمنة تقوم بدور رئيس في تحقيق الوحدة والانتصارات، لكنني أشير إلى أهمية القوة الذاتية الكامنة في هذه الأمة، وأهم ما يمكن أن تقوم به القيادة أن تعيد للأمة هذه القوة الذاتية، وتجعل الناس يدركون أنهم يستطيعون أن يحققوا أهدافا عظيمة. والإسلام يوفر للأمة قوة معنوية وروحية وفكرية هائلة يمكن أن تكون أساسا لتحقيق انتصارات عظيمة، عندما تتمكن قيادة مخلصة من تعبئة هذه القوة واستثمارها. كيف؟ أعتقد أن الإجابة هي نتيجة لجهد علماء الأمة خلال السنوات القادمة، فهل ينتفض العلماء ليقوموا بدورهم التاريخي الجديد؟.