11 سبتمبر 2025
تسجيلبرغم تعدد وخطورة التهديدات التي تعصف بمجلس التعاون الخليجي، لكننا فشلنا طوال أربعة عقود من بلورة عقيدة عسكرية ورؤية أمنية وإستراتيجية مشتركة تحمي أمن دولنا وشعوبنا، لذلك أتى إعلان جاسم البديوي أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، «الرؤية الأمنية» الموحدة الأولى لدول المجلس للأمن الإقليمي، بمشاركة مسؤولين ودبلوماسيين خليجيين وباحثين، بمثابة مفاجأة سارة.تُولي الرؤية الأمنية أولوية للحوار والتعاون والتنسيق واحترام وجهات النظر، «ليس مجرد التزام سياسي، بل التزام أخلاقي يجمعنا، فأمننا المشترك هو الأساس لنبني عليه آمالنا وأحلامنا لمستقبل أفضل، ويقف المجلس على أرضية ثابتة في دعم وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، كما أكد قادة دول المجلس في مناسبات عديدة، آخرها قمة الدوحة، على الالتزام الراسخ بمواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، ليس فقط ضمن حدود المنطقة بل وعلى الصعيد العالمي.. متمسكين بالحوار كجسر للتواصل والتفاهم، مع الحرص على توسيع آفاق التعاون مع كافة شركائنا حول العالم». تتضمن الرؤية الأمنية الطموحة لدول مجلس التعاون 15 بنداً: البناء على جهود دول المجلس في حلّ الخلافات عبر المفاوضات وبالطرق الدبلوماسية، وتكثيف الجهود للاستمرار في القيام بدور ريادي فاعل لتجنيب المنطقة تداعيات الحروب ومعالجة الأزمات الإقليمية، ودعم جهود تفعيل مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية. وتعزيز القدرات الذاتية، وتعميق الشراكات الإقليمية والدولية، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، والعمل على تجفيف منابع الإرهاب، والعمل المكثف لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، ودعم الجهود الدولية والإقليمية للمحافظة على منظومة عدم الانتشار، ودعم ضمان حق الدول في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتكثيف العمل لإيجاد حلول فاعلة للتعامل مع تحديات التغير المناخي، وتنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي يعزز تطوير وتوظيف مصادر طاقة متجددة، وتكثيف العمل لمواجهة التحديات المستقبلية في مجالات الأمن المائي ومكافحة عمليات التهريب بأنواعها ومساراتها والأمن الغذائي، وتجريم جميع الجماعات التي تقوم بأعمال إرهابية، والتنسيق وتعزيز الشراكات الدولية للمساهمة بمواجهة الجرائم الإلكترونية لتعزيز ورفع مستوى الأمن السيبراني. الواقع منذ قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981، ومنذ القمة الأولى للمجلس في أبوظبي، تعاني دولنا من انكشاف أمني وفقدان توازن القوى الإقليمي والاعتماد على الحماية والسلاح والقواعد العسكرية الأمريكية، بعد رحيل بريطانيا عن منطقة الخليج العربي آخر معاقلها في الشرق الأوسط أواخر عام 1971. ما عزز نفوذ شاه إيران للعب دور شرطي الخليج واحتلال الجزر الإماراتية الثلاث ليرقيّ الرئيس نيكسون دور إيران مع السعودية باستراتيجية «العمودان التوأمان» في السبعينيات لحماية الأمن الخليجي. لتُسقط ثورة الخميني عقيدة نيكسون وتحول إيران لنظام معادٍ للولايات المتحدة ومستحضراً المظالم منذ إسقاط المخابرات الأمريكية والبريطانية حكومة مصدق عام 1952 لتأميمه النفط ضد مصالح شركات أمريكا وبريطانيا.. دعمت الاستخبارات الأمريكية شاه إيران وأعادته للسلطة في إيران.ساهمت مغامرات وسوء تقدير حسابات صدام حسين الكارثية والمكلفة، بقمع شعبه والمعارضين في الداخل وحربي إيران في الثمانينيات واحتلال دولة الكويت 1990-1991، بتعميق تهديدات المعضلة الأمنية الخليجية. أعلن الرئيس كارتر عقيدته في يناير 1980- بعد احتلال السوفييت أفغانستان-بتأكيد أول رئيس أمريكي على حقيقتين: 1- منطقة الخليج العربي بالغة الأهمية للمصالح الحيوية الأمريكية 2- ستتصدى الولايات المتحدة لأي محاولة لتهديد مصالح أمريكا الحيوية وحلفائها بجميع الوسائل المتوافرة لديها بما في ذلك استخدام القوة العسكرية. ما كرس مكانة ومحورية منطقة الخليج العربي في الاستراتيجية الأمريكية. لكن رفضت الدول الخليجية منح الولايات المتحدة قواعد عسكرية في المنطقة لتمركز قوات التدخل السريع (RapidDeployment Forces) لتكون جاهزة للتعامل مع تهديدات عسكرية وأمنية في الخليج.. لكن رفضت الدول الخليجية بقيادة الكويت التحالف مع الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة لتُبقي على توازنات حساسة في حقبة الحرب الباردة.عمّق غزو واحتلال صدام حسين لدولة الكويت في أغسطس 1990-وعجز دول المجلس عن ردعه وتحرير الكويت دون دعم ومشاركة خليجية وعربية ودولية بقيادة الولايات المتحدة-معضلة الأمن الخليجي، والاعتماد الدائم على الولايات المتحدة، التي لعبت الدور الرئيسي سياسياً وعسكرياً لتحرير دولة الكويت عام 1991.وأتت الأزمة الخليجية لتكرس حالة الوهن والارتهان والانكشاف الأمني الخليجي بعدما قادت دول المجلس الست بين 2011-2017 النظام العربي عقب ما عُرف بثورات الربيع العربي، وانكفاء الدول المركزية العربية لتحديات الداخل لمواجهة الأزمات والصراعات الداخلية. حتى بعد مرور 3 سنوات من المصالحة الخليجية في قمة العلا-يناير 2021- لم تنجح دول مجلس التعاون الخليجي التي عادت لقيادة النظام العربي وقممه وقوتيه الناعمة والعسكرية من بلورة استراتيجية ورؤية موحدة لمصادر التهديدات الأمنية والعسكرية وصياغة عقيدة أمنية مشتركة. خاصة بعد تأهيل إيران وتوقيع القوى الكبرى (5+1) اتفاقا نوويا عام 2015-لتنقضه وتنسحب منه إدارة ترامب عام 2018. وتنهي ضفتا الخليج حالة الحرب الباردة! بدأ التشكيك الخليجي بالتزامات الحليف الأمريكي بعد تغير أولويات أمريكا باستدارة أوباما نحو آسيا لاحتواء صعود الصين وتهديدها حلفاء أمريكا في بحر الصين الجنوبي. ومواجهة تحديات بوتين-روسيا في أوراسيا وتهديده الأمن الأوروبي، بعد احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014. عمق الاعتداء بأسلحة إيرانية على منشآت أرامكو-ابقيق وخريص شرق المملكة العربية السعودية عام 2019، دون رد فعل حازم على إيران وأذرعها في المنطقة، واغتيال ترامب سليماني عام 2020، وانسحاب أمريكا من أفغانستان بشكل فوضوي عام 2021، التساؤل بل التشكيك بجدوى تعويل الخليجيين على الحليف الأمريكي! لكن يبقى التحدي في تفعيل وتحويل الرؤية الأمنية لمشروع أمني جماعي يفرض توازن قوى رادعا لمواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة في خليجنا.