15 أكتوبر 2025

تسجيل

عشق القراءة

31 مارس 2014

منذ فترة قرأت عن طفلة بريطانية اسمها "ماتيلدا"، في التاسعة من عمرها، غرقت في القراءة بعيدا عن الألعاب الإلكترونية الحديثة، وقرأت في حوالي السبعة أشهر، أكثر من ثلاثمئة وستين كتابا، وهو رقم لا يستطيع تحقيقه حتى أكثر القراء تعلقا بالكتب، في أي مكان، وقد رافق ذلك الخبر، صورة الطفلة الجميلة، غارقة وسط كتبها، وبين يديها كتاب تقرأه.بالطبع، هذا خبر جيد للكتاب والكتب، وهو أن القراءة على الأقل في أوروبا، وأمريكا ما زالت مقدرة لدى البعض، وهناك من يعشقها ويتعلق بها منذ الصغر، وقطعا يستمر هذا التعلق مع الشخص حتى يكبر، ولا ينتهي أبدا. ومسألة ماتيدا كانت ستكون شيئا عاديا لو حدث ذلك في زمن آخر غير هذا الزمن الذي نعيشه، ولا شيء يبهرنا فيه، من كثرة الأحلام التي حولت بفضل التكنولوجيا إلى حقائق راسخة، وبالتالي لم تعد القراءة ترفيها حقيقيا، وكسرا للرتابة اليومية، ولم تعد منبع المتعة المفضل، خاصة لدى الأطفال، تماما مثلما لم تعد هناك جدات يحكين حكايات قبل النوم، وحتى لو وجدن، فلا حكاية تستطيع أن تبهر طفلا، وترقده في فراش الأحلام، ودائما ما أتذكر زماننا، وأذكر قصتي مع القراءة، التي كانت في زمن الصغر قانونا صارما من قوانين البيت، سنّه والدي وسرنا عليه جميعا. الكتاب يأتي أسبوعيا، ومجلة الأطفال تأتي في موعد صدورها، وغالبا ما يكون أسبوعيا أيضا، وبالتالي ربط متقن وعنيف بالمعرفة، وغرس عادة رائعة ستنمو وتزدهر، حقيقة ما زال إخوتي جميعا يقرأون إلى الآن بالرغم من أنهم كبروا وانشغلوا في حياتهم.إذن ماتيلدا البريطانية، هي نموذج حديث لنماذجنا السابقة، في فترة ازدهار القراءة، أو فترة تربعها على عرش مصادر المعرفة، والحقيقة لم تكن هناك مصادر غيرها، والذي يريد أن يتعلم أو يثقف نفسه، يبحث عن الكتب، والباحث في معضلة ما، ستكون مراجعه هي الكتب، وسيقضي وقتا طويلا في المكتبات العامة، وربما يسأل أصدقاءه عن كتاب يحتاجه في بحثه ولا يعثر عليه، ليتغير كل شيء، وتصبح المعرفة متاحة بعيدا عن الكتب، في هذا الفضاء المريع والمدهش، لكن تأتي أحيانا استثناءات، وها هو استثناء ماتيلدا، يأتينا في هذا الزمان.لقد طلب مني مرة، وفي إطار تحفيز الصغار على القراءة، أن أكتب رسالة طويلة لطفل متخيل، أحببه فيها إلى القراءة، وأبين له ميزاتها المتعددة، وكيف أنها سترتقي به وبمستقبله بكل تأكيد، وبالرغم من أنني كتبت تلك الرسالة لذلك الطفل، وحدثته عن عن المكتبة التي كانت على ظهر دراجة نارية، من ماركة فيسبا، وتحط في بيتنا كل أسبوع، وتلك السفينة الأمريكية المكتبة، التي كانت تحط في الميناء كل عدة سنوات، ويهاجم الناس منتجاتها من الكتب، كما يهاجمون سوق السمك والخضراوات، إلا أنني ما زلت مقتنعا، أن المسألة عشق في النهاية.. الذي يعشق القراءة سيسعى لعناق عشقه بكل تأكيد، وأظن أن قانون والدي الذي سنه في البيت، جاء مطابقا لعشق نملكه كلنا، واستجبنا من منطلق العشق، لا من منطلق السلطة الأبوية.. وتأتي ماتيلدا لتوضح حالة العشق تلك، وتغرق في المعرفة من المنابع القديمة، وهي في التاسعة من عمرها.