13 سبتمبر 2025

تسجيل

تكريم

19 نوفمبر 2018

أزعم أن مناقشة رواية لكاتب أو قصيدة لشاعر في ندوة صغيرة يدعى إليها ذلك الكاتب أو الشاعر، يمكن أن تضخ في جسد معنوياته نشاطا كبيرا يرتفع بها عاليا وفي جسد إبداعه القادم روحا أخرى قد يعتمد عليها في النحت لعمل يختلف تماما عن أعماله السابقة، بينما العكس حين يقرص مبدع في أذن إبداعه، تلك اللحظة يبدأ جيش من الإحباط في غزو روحه وجيش مماثل في غزو إبداعه فلا ينتج إلا كل ما هو محبط. بالطبع لا أدعو إلى المجاملة غير الضرورية، والتساهل في تلقي الإبداع البشري وتقييمه، وإنما أعني شيئا آخر، تلك المحبة التي لا تقلل من الشأن ولا تمتدح بلا ضرورة، وذلك النقد الذي يعبد الطريق للمستقبل من دون أن يصنع حفرة يمكن أن تسقط فيها خطوة إبداعية، أو مطبا يهز كثيرا من الثقة. لقد تعرفت إلى حفلات تكريم الأدباء لأول مرة، حين كنت طالبا في مصر، في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، الفترة نفسها التي تعرفت فيها إلى كتابة الشعر بصورة جدية، ومختلفة تماما عن المراهقة الكتابية، التي كنت أكتب بها سابقا، وأيضا ما تبع ذلك من تعرفي إلى معظم من يكتبون في تلك الفترة، وأجواء كتابتهم، وأماكن وجود أنفاس الكتابة عموما حتى أسعى لاستنشاقها. كان ثمة حفل تكريمي صغير للروائي صنع الله إبراهيم، في مدينة طنطا حيث أقيم، وكان تكريما وفي الوقت نفسه مناقشة لروايته «تلك الرائحة»، الرواية التي كانت صغيرة في عدد صفحاتها وكبيرة المحتوى في ما قدمته من نموذج لقهر الإنسان وسلب حقوقه، وهي الرواية الأولى لصنع الله، وأظنها قدمته خير تقديم لينتج بعد ذلك، تلك الأعمال الشاهقة التي وصلت إلى كل ذهن يحب القراءة ويستوعبها. أردت أن أقول بأنني كنت مهتما بقراءة وجه الكاتب في لحظة تكريمه، وقراءة تقاطيع كلمته القصيرة التي ألقاها أثناء الاحتفال، وقد رأيت وجها مشرقا بالفعل، وسمعت كلمات رائقة مرتبكة بفرح تخرج من لسانه، وعرفت لحظتها أن الكبار يمكن أن يسعدوا بحفل صغير من أشخاص محدودي العدد يقيمونه من أجل الاحتفاء بهم.