11 سبتمبر 2025
تسجيلصورة العالم وعلى رأسهم أمريكا المساندة للعدو الصهيوني كأنهم أتوا إلى منطقتنا العربية مدججين بأسلحتهم وبوارجهم الحربية لمساعدة العدو وهم يخاطبوننا كعرب قائلين: «أليس لنا قيادة العالم وأنتم تحكمون من تحتنا؟»، قلنا لهم «نعم ما علمنا من قيادة غيركم»، فردوا علينا: «إذن اخرسوا ولا تتكلموا إن كنتم حريصين على كراسيكم»، وقلنا لهم (سمعاً وطاعة يا مولانا ورضاكم هو أكبر أمانينا)، فاشأروا تجاه غزة ووجهوا أسلحتهم صوب صدور أبنائها ومبانيها وقالوا كما قال فرعون: «إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا على استئصالهم لعازمون»، فرد حكامنا العرب: «هم كذلك واعملوا فيهم ما شئتم ونحن لهم مبغضون ولأعمالهم كارهون وإنا لصادقون»، فقال رئيس العدو الصهيوني كما قال سحرة فرعون: «وبعزة العالم الغربي لنحن الغالبون، ولما حدث في يوم 7 أبريل لثائرون»، فتوجه حكام العرب إلى أهل غزة ناصحين: «يا أهل غزة إنا لكم لناصحون فلا طاقة لكم اليوم في مواجهة العالم المدجج بالسلاح وإنكم لمدركون وأنهم لكم قاذفون ولإبادتكم مجتمعون فأخرجوا المقاومة من بينكم إنهم أناس يتحررون وللأقصى مطالبون». * فردت غزة وما أدراك ما غزة وقالت بلسان اليقين ومنطق الحق المبين: «كلا أيها المرجفون إنما معنا ربنا سيهدين، وإنا بعون الله لمنتصرون ولكنكم قوم تجهلون والله غالب أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فالله أقوى من هدير سلاحهم». شكراً غزة لأنك أذللتِ جيشا قالوا عنه إنه لا يهزم، لقد هدمتِ صنماً من خوف نحتوه في قلوبنا بإتقان فرأينا هذا الجيش نمرا من ورق يقتل وينثر، شكرا لكتائب العزة فيكِ التي أعادت إلينا أمجاد الأبطال الأوائل، شكرا للقلة المؤمنة التي تذكرنا بدراً والنفير يذكرنا بحمراء الأسد والقتال من مسافة صفر يذكرنا بيوم اليمامة، والشهادة تذكرنا ببيعة عكرمة على الموت في اليرموك، وللثبات الذي يذكرنا بالصحابة في يوم القادسية، شكرا غزة وأنتِ تشرحين لنا (سورة الأنفال) على طريقتك فعرفنا أن ترتيل الآيات شيء والعمل به شيء آخر، شكراً لأطفالكم ما كنا نعرف قبل اليوم أن الصغار يمكن أن يصبحوا رجالاً قبل أوانهم وأن السيوف تثقلها النار فكيف ربيتم أطفالكم بهذه الطريقة التي جعلتنا نستصغر أنفسنا أمامهم، شكراً لنسائك لقد أعدن إلينا بطولات أم عمارة وصولات رفيدة وتضحيات الخنساء وهي تدفن أولادها وأحفادها وتسأل الله أن يتقبل منها قربانها، شكراً لعجائزك لقد شرحن لنا كتب العقيدة الطوال في مقاطع مصورة لا تتعدى الدقيقة الواحدة، ما أجمل حين تتحول العقيدة من حبر على ورق إلى دم يجري في العروق، شكرا لشيوخك وهم يدفنون أولادهم وأحفادهم ولا تكسرهم الجنائز ولا تفنيهم الأشلاء، ولسان حالهم هو لسان حالهم قبل مقالهم: «اللهم خذ من دمنا حتى ترضى»، شكرا لأطبائك وممرضيك كانت تصلهم جثث أحبائهم فلا تلفتهم عن جراح الناس، شكراً للذي أعد الكتائب وشكرا للملثم (أبوعبيدة) الذي صوته من نار وبارود، شكرا لكم جميعاً أهل غزة لقد لقَّنتم العالم درساً في الصمود والمقدام أمام أقوى الجيوش. * غزة هي الباقية فمن نعم الله علينا أن أهل غزة فينا، ويا عمرو بن العاص قل لمعاوية لا مصر مصر ولا دمشق كما هي، الدين أصبح سلعة لا تشترى وهي التي كانت بالأمس غالية، والقدس يشكو من ضياع مهابه، والناس في حفل المصالح لاهية، أعداء دين الله تحكم أرضنا وكلابهم بين الشوارع عاوية، كل الحروف من الخريطة غادرت لم تبق إلا غزة فهي الباقية، أين الصحابة والمقتدون بهم، أين الذين لهم رؤوس عالية، بذلوا لدين الله كل عزيز والمال يبذل والنفوس غالية، والله أسأل أن يعيد لأمتنا مجداً تليداً مثل شمس صافية. كسرة أخيرة في بقعة ضيقة مثقلة بالذكريات المريرة، يشغل قطاع غزة المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، بمساحة لا تزيد على 360 كيلومترا مربعا، لكنها خاضت وحدها ثماني حروب مع إسرائيل في أقل من 15 عاما، ونفضت عن الاحتلال تلك الصورة التي رسمها لنفسه أمام الرأي العام العالمي بوصفه جيشا لا يخضع ولا يقهر، واليوم تواجه إسرائيل التي اضطرت عام 2005 إلى إخلاء مستوطناتها هناك والانسحاب كليا من القطاع أسئلة صعبة تتعلق بتقرير المصير، كون غزة هي آخر القلاع الباقية من قضية أوشكت أن تندثر، وتعتبرها إسرائيل رسميا «كيانا معاديا»، والتهديد الأساسي الذي يحول دون تحقيق حلم السيطرة الكاملة على كامل أرض فلسطين، وحانت الفرصة لها لتنقض على القطاع لتقضي على الكابوس الجاثم على صدرها طوال السنوات الماضية والمانع للوصول إلى أحلامها وتهنأ بالسلام والأمن الذي تحاول أن تصنعه لنفسها، ولكن هيهات هيهات أن تنال مرادها أمام صمود أهل غزة وأبطالها.