09 سبتمبر 2025
تسجيلصُلح الحُديبية هو صلح عقد قربَ مكة في منطقة الحديبية التي تُسمى اليوم (الشميسي)، في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة في مارس 627م، وكان بين المسلمين وبين مشركي قريش بمقتضاه عقدت هدنة بين الطرفين مدتها عشر سنوات، لكن ما لبثت أن نُقضت الهدنة، نتيجة اعتداء بني بكر بن عبد مناة من كنانة على بني خزاعة، واختار المشركون سفيراً لهم وهو سهيل بن عمرو لعقد الصلح وبعد الاتفاق على بنود الصلح الذي رآه الكثير من المسلمين أن هذه البنود فيها إجحاف كبير عليهم، واعترض بعض الصحابة الحاضرين على البنود، ولما حان وقت كتابة الاتفاق، قال له النبي ﷺ:هات اكتب بيننا وبينك كتاباً، فدعا النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه و قال: اكتب بعد (باسمك اللهم) هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو فاعترض سهيل بن عمرو وقال: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولكن اكتب محمد بن عبد الله. تجاوز الصغائر حفاظا على العظائم فقال رسول الله ﷺ لعلي: امحها يا علي واكتب محمد بن عبدالله، فقال علي رضي الله عنه: والله لا أمحوها أبداً فقال ﷺ: هاتها يا علي، فمحاها بيده الشريفة ﷺ، ثم كان هذا الاتفاق الذي رآه الصحابة وقتها إجحافا في حقهم نصرا مبينا للمسلمين وتحولت كل البنود المجحفة في حقهم الى فتح لم يستوعبوه وقتها، وكان النبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ذا نظرة بعيدة لما يحدث من وراء هذا الاتفاق وقال عمر بن الخطاب في ذلك الموقف قولته الشهيرة: (ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟، قال ﷺ: بلى، فقال: فَلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً؟)، لكن الرسول كان مدركا وموقنا أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين، وقد حيل بينهم وبين نسكهم، فانقلبت كآبتهم فرحا وسرورا، وأدركوا أن التسليم لأمر الله ثم انصرف رسول الله قاصدا المدينة. إنا فتحا لك فتحا مبينا فكان تنازل المسلمين عن الصغائر في صلح الحديبية هو خسارة لحظية لأجل مغانم استراتيجية وخطوة تكتيكية حكيمة وتم بها الفتح المبين الذي بشر به المولى عز وجل نبيه الكريم في سورة (الفتح): إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ١ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ٢﴾. فلو انتهج المسلمون اليوم هذا النهج النبوي العظيم لما كانت هناك حروب ومشاكل ونزاعات استمرت لعدة سنوات وخسرت فيها الشعوب العربية والإسلامية الكثير من الأرواح والمقدرات وهدمت ما بناه سلفهم، وذلك بسبب تعنتهم وعدم تنازلهم قبل ان يخسروا الخسائر الجسيمة وفي النهاية يرضخون الى بعض التنازلات التي كان لو تنازلوا عنها في بداية الأمر لتجنبوا الكثير من الخسائر لبلادهم وشعوبهم، كما يحدث الآن في ليبيا واليمن والعراق والسودان. كسرة أخيرة (امحها يا علي) فتح بها نبيكم مكة وحفظ الأمة،، (امحها يا علي) تلك استراتيجية نبيكم مع كفار قريش فما بالكم مع الأصحاب والأرحام، (امحها يا علي)، تتطلب شجاعة المسامحة من جهة وشجاعة الاعتذار من جهة أخرى. فما أحوج الرجل وزوجته لها، وما أحوج الوالد والولد لها، وما أحوج الأخ وأخوته لها، ما أحوج الجار وجاره لها، ما أحوج الصديق وصديقه لها، ما أحوج المجتمع كله إليها.