10 سبتمبر 2025
تسجيل«إنّ دماء أبنائي وأحفادي الشهداء ليست أغلى من دماء أبناء الشعب الفلسطيني. أشكر الله على هذا الشرف العظيم الذي أكرمني به باستشهاد أبنائي الثلاثة وبعض أحفادي». كلمات نطق بها الشهيد إسماعيل عبد السلام هنية (أبو العبد) القائد في حركة المقاومة الإسلامية حماس ورئيس المجلس السياسي عندما بُلغ بخبر استشهاد أبنائه وأحفاده، وكان هذا الحدث قبل أيام قليلة من الغدر به بأيدي الأعداء، وارتقى ما يقرب من 60 فردا من عائلته شهداء شأن كل أبناء الشعب الفلسطيني ولا فرق بينهم، والاحتلال يعتقد بأنه سوف يكسرعزيمة الشعب الحر عندما يستهدف أبناء القادة، وفقدت المقاومة داخل وخارج فلسطين رمزا وطنيا في عالم يعاني من شح الرموز، وكان الشهيد رجلا شامخاً كالسنديان في أرض معطاء بالأبطال، وكان قائداً ومقاوما ضد الاحتلال الصهيوني الأعتى في العالم ويقف أمامه شعب فلسطيني حر يسعى دوما لحريته ولم يكِل أو يمِل من هذا السعي، وكأنه إذا تحرر فسيحرر العالم معه. هذا القائد الذي مثل رمزًا للصمود والمقاومة، لم يعرف يومًا للاستسلام طريقًا، وظل ثابتًا على مبادئه حتى آخر لحظة في حياته، رحل هنية بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال، مسطرًا بدمه قصة رجل لم يهُن ولم يلِن، وهو ابن مخيم الشاطئ للاجئين، الذي أَحبه فلم يتركه حتى بعد وصوله لرئاسة الوزراء، ووصفه إعلام الاحتلال الإسرائيلي بأنه «السياسي العنيد والمفاوض الصلب» قاد عملية التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة على مدار الأشهر العشرة الأخيرة، فلم يُعرف عنه إلا الثبات على المبادئ والمواقف، والسعي الدائم لوقف العدوان عن شعبنا. الشعب الفسلطيني كله أحب هنية، وبادل أبا العبد الحب، حتى باتت كلماته أهازيج يرددها الفلسطينيون في كل محافلهم، وهو الذي كان يقول «لن ينالوا من عزيمتنا، لن يكسروا إرادتنا، لن تُخترق الحصون، ولن يسرقوا منا المواقف، وسنبقى ثابتين على طريق الجهاد حتى تحرير كل شبر من أرض فلسطين، ولن نعترف بإسرائيل»، هذه الكلمات ستظل نبراسًا للسائرين على ذات النهج، يسترشدون بها في كل خطوة يخطونها على طريق تحرير القدس والأقصى، وكل فلسطين. هذه الأمة العظيمة، ولّادة للأبطال، تقدم الشهيد تلو الشهيد، ولا يزعزعها فقدان الرجال، بل يزيدها صلابةً وإصرارًا. استشهاده هو تذكرة لنا بأن من صدق اللهَ صدقه الله، وأن من عاش على شيء مات عليه، وأن الأمة لا تموت بموت رجالها، وقد شاهدنا أسماءهم وقد تحولت إلى أسلحة تضرب الاحتلال في كل مكان، فكما لم يزد استهداف الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي والجعبري وغيرهم من الأبطال إلا قوة وعزيمة، فإن استشهاد هنية لم تزد الشعب إلا إصرارا على مقاومة الاحتلال، وها هي المقاومة اليوم أقوى وأشد صلابة مما كانت عليه بعد استشهاد كل بطل من أبطالها، وهم على درب قادة السلف الصالح سائرين، ولن تموت الأمة الإسلامية باستشهاد قاداتها فبعد أن استشهد زيد وجعفر وعبدالله بن رواحة رزق الله الأمة سيفا من سيوفه (خالد بن الوليد) الذي فتح الله على يديه ومع استشهاد كل قائد يولد ألف قائد جديد يحملون راية المقاومة ويواصلون الطريق نحو النصر المؤزر وتحرير الأراضي المحتلة. قطر كعبة المضيوم البداية والنهاية شيّعت جماهير قطر هنية في أفضل صورة بعد أن أكرمته الدولة وهو مقاوم وأكرمته وهو يودع هذه الدنيا الفانية، وكان ينطلق من هذه البلاد الطيبة في كل جولاته منذ إقامته فيها منذ العام 2019م، حيث كانت الدوحة هي محور رئيسي للمفاوضات التي تدور مع الاحتلال الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، وصلى عليه جمع غفير من المصلين في أكبر جوامع الدولة (جامع محمد بن عبدالوهاب) ورأينا تقاطر الجماهير منذ الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الماضي وهم يتسابقون لنيل شرف لحظة الصلاة على جثمانه الطاهر وامتلأ الجامع الذي يسع ثلاثين ألف مصلٍّ بالإضافة إلى ألف ومائتين مصلية في مصلى النساء، وفاض المسجد حتى امتلأت الساحات الخارجية حول المسجد بالمصلين والمصليات، وهتف الجميع بعد أداء صلاة الجنازة ضد الاحتلال وبعبارات كان يرددها الشهيد هنية، وكان لمشاركة هذا الجمع الغفير من المواطنين والمقيمين بأرض قطر الأثر الكبير على عائلته المقيمة بقطر الحبيبة (كعبة المضيوم)، وتخفيف وطأة الحزن عليها. كسرة أخيرة استشهاد إسماعيل هنية لن يكون نهاية لمسيرة النضال، بل هو بداية لمرحلة جديدة من الصمود والمقاومة، سنظل نذكره بكلماته ونضاله وتضحياته التي أضاءت لنا الطريق نحو الحرية، لقد كان شعلة لا تنطفئ، وسيظل نبراسًا يهتدي به المقاومون في طريق التحرير. نستودعك الله يا أبا العبد، سلامًا لروحك الطاهرة في الخالدين، ستبقى ذكراك حيّة في قلوبنا، وستظل تضحياتك نورًا يضيء لشعبنا ومقاومتنا درب الحرية والكرامة، وسيبقى أبناؤك المقاومون على عهدك، ماضين في دربك، حتى يتحرر كل شبر من أرض فلسطين. سلامٌ عليك يا أبا العبد، ورحمك الله وأسكنك فسيح جناته، والسلام لروحك في الخالدين.