26 أكتوبر 2025
تسجيلإن لم يحدث طارئ، فإن هذه الرسالة ستصلك في اليوم الأخير لك على أرض الواقع، قبل أن تمسي تاريخاً، ويشار إليك كعامٍ فارط، سيثبتونك كأرنب على لوحة التشريح، ليروا رئتيك وقلبك ينبض، ثم يرمونك بهدوء.سيشتمونك طويلاً، قبل أن يستدركوا:" نعيب زماننا والعيب فينا" ويتزلفون إلى عامٍ جديد، يقيمون له الاحتفالات مثل والٍ جديد، ويبحثون فيه عن حظوظهم. لن يلتفت إليك أحد، فأنت مجرد موظف أحيل الى المعاش قبل قليل، لن يعبأ أحد بدموعك، ولن تقف الحياة عند أيامك، أنت عجوز فائض عن الحاجة، أنت مجرد غيمة سبحت في الفضاء ثم آن لها أن تذوب.يا صاحبي الـ2014؛ رفقاً بنفسك، فقد أخذت نصيبك من الدم والرحيل، كانت حصتك كبيرة من الجثث والقبور والآلات، أخذت نصيبك من الإحن والضغائن، أيها الـ2014 صمنا معك عن الأخبار الجميلة، وتعثرنا معك بالبلاد التي كانت خضراء، رأيناك تغصّ بالموتى وتذرف الشهداء، سمعناك تصرخ: "ليس في وسعي إطعام كلّ هؤلاء" سبحنا معك وراء كلّ سفينة، وحملنا لك الحجارة وراء كلّ جدار، مشينا وما استطعت وما استطعنا صبراً، ففي الحمى ألف حجاج وألف نيرون، وفي المدينة رهَطٌ يبحثون عن كهف، ونخلة تبحث عن شمس.يا 2014؛ سأشكرك على أية حال، ربّما لأنك لم تركل الكرسيّ تحت الضحية، ربّما لأنك لم تغلق الكوّة الأخيرة في الجدار، ربّما لأنّك لم تخنق الأمل، سنشكرك على أيّ حال، متناسين أيامك الصعبة، متناسين أنّ الموت هو جداء حيواتٍ عظيمة، وأنّ الحياة التي لم نكن جديرين بها كنّا جديرين برثائها، متناسين أنّنا نتنفّس من تحت الكارثة، وأنّنا رغم هذا الغرق العظيم نملك أكثر من سبب لنحيا.لك علينا واجب الوداع، ولك منّا ابتسامة مودّع مجبر على ألاّ يركض وراء السيارة وهي تمضي، السيارة التي أقلّت شهيداً ونازحاً وقسمت بينهما مؤونة الرحيل، لك أن نذكرك محتضناً جمرة الحرب ووردة الأمل، ملوّحاً للقطار العابر، فمحطّتك — وإن توقّفنا فيها ونصبنا خيامنا، واجترحنا ليلاً جديراً بالغناء، وزففنا طفلة الحياة لابن الموت، وركضنا طويلاً في ردهاتك — محطّتك سوقٌ ريفيّ غادره الباعة الجائلون آخر النهار.الجميع سيمضي متلمّساً شيئاً ما في المحطة القادمة؛ أسناناً جديدة، رتبة عسكرية، ثياباً، مخيمات بعيدة، مجازر تنعش الفضائيات وسوق المبادرات السياسية، فمن سيفتتح الغناء؟ من سيشجّعنا على البكاء؟ من سيخرج العمل؟ من سيبقى في الحلقة الأخيرة؟ من سيشاهد الحلقة الأخيرة؟