11 سبتمبر 2025

تسجيل

كوزيت والبوركيني والبؤساء

30 نوفمبر 2016

كان الفيلسوف المشهور جان جاك روسو مستلقيا على شاطئ نيس الفرنسي، يتأمل الغاديات والرائحات، وفي ذات الوقت يفكر في ما وراء العالم، ويضع نظريات جديدة في علم الاجتماع السياسي، بل إنه كاد في استلقائه ذاك أن يتوصل إلى تصميمات القنبلة النووية، لولا أن لفت انتباهه سيدتان تتناقشان بحدة، وقد ارتفعت أصواتهما، والعجيب أنه لم ينتبه لهما سواه.علم روسو، أن السيدة الشقراء المغرورة، التي ترتدي من الثياب والمجوهرات أفخمها، لم تكن إلا الملكة المشهورة ماري أنطوانيت، فعبس قليلا، وسرعان ما ارتسمت على شفتيه ابتسامة ارتياح، عندما علم أن الثانية تدعى كوزيت، ربيبة جان فالجان، والتي خرجت من عالم البؤساء على ما يبدو.قالت كوزيت مخاطبة الملكة: لقد انتهى عهدكم سيدتي، لم يعد هناك خوف، لم يعد هناك قمع، لن يعود للظلم مكان في فرنسا، كلنا سواسية، لقد ثار الشعب، وعرفت المقصلة أهدافها، والعالم بات أكثر عدالة بعيدا عنكم. لم يعرف جان جاك روسو، قصد كوزيت بالثورة، صحيح أنه كان من دعاة العدالة الاجتماعية، لكنه لم يبشر أبدا، بأن المقصلة طريق للعدالة، في جميع الأحوال هو قد توفي قبل اندلاع الثورة الفرنسية.فجأة، اختفت السيدتان، كأنهما حوريتان خرجتا من المياه، أوصلتا الرسالة ثم غادرتا عائدتين، تعجب جان جاك روسو، خاف قليلا، ثم عاد لجلسته الاسترخائية، وبدأ يؤسس لفلسفة جديدة للتعليم في فرنسا. وفجأة، دخل، وبصوته المستفز أخذ يصرخ، ويقول: جان فالجان، لا تظن بأنك ستنجو مني، سأقبض عليك، ولو كان ذلك آخر عمل بحياتي، ثم أخذ ينقل بصره بين رواد الشاطئ، ويتفحصهم واحدا واحدا، وواحدة واحدة، ثم توقف بصره عند إحدى السيدات.جان جاك روسو عرفه على الفور، فهذا هو جافير، مفتش الشرطة الفرنسي الذي كان يطارد جان فالجان، من بداية رواية البؤساء إلى نهايتها، وكانت جريمة جان فالجان الكبيرة، أنه سرق خبزا لإطعام أخته وأطفالها.توقف جافير عند سيدة مسلمة، ترتدي لباس بحر يقال عنه إسلامي، ويسمى "البوركيني"، وهتف بصوت غاضب : لا يعني مطاردتي لجان فالجان ، أنني سأتجاهل مهمتي الأساسية في حفظ الأمن والنظام ، يا سيدتي لباسك هذا يخدش حياء العلمانية ، بإمكانك ارتداء البكيني، او بإمكانك التجول في شواطئ العراة بدون لباس، لكن يحظر تماما ارتداء "البوركيني"!!.بكل مشاعر الهوان خلعت السيدة لباس "البوركيني" ، وخرجت لاحقا من الشاطئ منكسرة، لم يعد للحرية مكان في فرنسا، ومن بعيد، ابتسمت ماري أنطوانيت.نهض روسو من مكانه، نفض تراب الشاطئ من على جسمه، ثم جرجر أقدامه عائدا على سجلات التاريخ، وفي ذات الوقت، تجعد وجه الموناليزا في اللوفر، أصبحت عجوزا شمطاء، أغلقت فمها، ولم تعد تبتسم، فهي لا تريد أن يشاهد الناس فمها الذي أصبح مشوها بفعل الزمن، بعد أن تساقط معظم أسنانها.