13 سبتمبر 2025

تسجيل

فيلسوف الفواكه

18 يناير 2017

كنت عائدا للمنزل، وجاءتني المكالمة "إياها" من أم محمد، تطلب شراء الفاكهة للمنزل، وطبعا ليس من الضروري أن أقول بأنني كنت منهكا، مرهقا، أكاد أسقط من طولي، لكن في النهاية يجب التضحية من أجل الشعب. سرت بهدوء في شارع الوكرة التجاري، حتى لمحت محلا لبيع الفاكهة، اسمه "المحترف للفاكهة الأصلية"، فتوقفت عنده، ودخلت المحل، وأنا أتساءل عن الفرق بين الفاكهة الأصلية، والفاكهة التقليد!!رأيت البائع يلعب بأصبعه في أنفه، جاءني متعبا، مكفهر الوجه، وقف أمامي مبتسما بتوتر، تفحصته من رأسه إلى أخمص قدميه، ومن شكله أدركت أنه يعاني الهزال مثلي، ونسبة السكر زائدة في دمه، مصاب بسبعة أمراض مزمنة على الأقل، ومن صفاته أنه مزعج، لحوح، ممل، عصبي، لذلك فتجاهلته وأخذت أتأمل المعروضات لفترة، ثم بدأت الشراء.طلبت كيلو بصل، ومثله من الباذنجان، وصندوق بطاطس، وعدة كيلوجرامات من الطماطم، والخيار، والكوسة، وكنت حريصا على أن أتابعه وهو يضع ما اخترته في الكيس، وتجاهلت أني رأيته يعبث في أنفه، مهلا، أنا متعب للغاية، ولا أحتمل أن يسألني أحدكم، هل الطماطم والباذنجان من الفواكه أم الخضار، لا جواب عندي، ولن أشتري غير ما اشتريت.توقفت عند طاولة الحساب، وقلت بعصبية: كم إجمالي الحساب؟!!، الأخ لم يرد، فقد كان منشغلا عني بتعديل أوضاع بعض الصناديق، صرخت، "بكم"، لم يرد من جديد، غضبت، والتفت له، لكن المحل كان خاليا، كنت أقف بالقرب من الباب، ولم أره يخرج، يا للهول. وقبل أن أفكر بالهرب، انطفأت الكهرباء للحظات، ثم عادت، وهنا رأيت رجلا كبيرا في السن، له لحية بيضاء كالقطن، يرتدي بدل الثياب، كل ما يخطر على بالك من الفواكه، جسمه كان مغطى بالفاكهة الأصلية، التفاح، الرمان، البرتقال، المانجا، وكان يضع فوق رأسه تاجا من ثمار "السنطرة".نزع تفاحة، وقال: يا صاحب الخضار، ماذا تفعل هنا؟، فأجبته وركبي تصطك، خوفا، ورعبا، وهلعا: جئت أشتري قليلا من الفاكهة!ضحك طويلا، ورأيت أن أسنانه بيضاء في مكانها، رغم عمره، كما أن ضحكته كانت رقيعة، مثل ضحكات راقصات في ملهى ليلي، لكني لم أبال وقتها بالأخلاق، فخوفي كان هو الأعظم.قدم لي تفاحة، ثم قال: في الميثولوجيا الغربية، التفاحة رمز المعرفة، بسبب أكلهما من شجرة التفاح، خرج آدم وحواء من الجنة، لأنهما علما أكثر مما ينبغي!نظرت إليه كما أنظر لأي أحمق، لم أتكلم، بينما تابع فيلسوف الفاكهة حديثه، قائلا: أما إسحق نيوتن، فعندما سقطت التفاحة على "أم" رأسه، جاء لنا بقانون الجاذبية، والذي بدأ عصرا جديدا في الحضارة الإنسانية. هززت رأسي، دون أن أفهم ما يرمي إليه، ورأيته، ينتزع "سنطرة" من على رأسه، ثم يقشرها، ويأكلها، قبل أن يقول: شركة أبل، أكلت ربع تفاحة، ثم أكلت وراءها سوق التقنية بالعالم. ثم رماني بقشر "السنطرة" غاضبا، وقال: أما أنتم أيها العرب، فكان أبرز إنجازاتكم في علاقتكم مع التفاح هي "شيشة التفاح"!