11 سبتمبر 2025
تسجيلفي يوم ما، وفي مكان ما، تقابل جني مليح، مع جنية جميلة، ودار بينهما حوار عجيب، شبيه بقصص ألف ليلة وليلة، وأساطير الأخوين جريم، قال الجني المليح المتيم: يا حبيبتي، إنني أحمل في ذاكرتي من القصص والأخبار مع البشر، ما لن تصدقيها، ولكن أجمل قصتين أفتخر بهما، لم يكن لي دخل فيهما. تعجبت الجميلة، وتغنجت، وطارت من مكانها، ليشتعل الهواء قليلا قبل أن تخمد النيران وهي تقول: هات ما عندك يا توتو، فقد شوقتني!.طبعا جني محترم، طول وعرض، اسمه توتو، أمر لا يمكن تخيله، لكنه يحدث، صدقوني، كل شيء جائز، المهم، بدأ توتو يروي قصته بصوت بدا وكأنه يخرج من قعر بئر مليء بالطحالب الخضراء.قبل سنوات طويلة ربما أكثر من 1200 عام، أهدى خليفة المسلمين هارون الرشيد، ساعة ميكانيكية، هدية لملك فرنسا شارلمان، كانت ساعة كبيرة، طولها يصل لأربعة أمتار، يحملها عدد من الرجال الغلاظ الشداد، وتم عرضها أمام الملك وحاشيته في احتفال مبهر، تم تنظيمه لهذا الغرض.كانت ساعة ميكانيكية متكاملة، تعمل بالماء، وعندما حانت الساعة الواحدة، دقت الساعة دقة واحدة، بصوت معدني مرتفع، أسمع كل من في القصر، وعندما حانت الثانية، دقت مرتين، وفي الساعة الثالثة دقت ثلاث دقات.هنا خاف الجميع، ارتعبوا، ارتجفوا، وصرخ الملك: "ما هذا السحر، أبعدوا هذه الآلة الشيطانية، قبل أن تحل بنا لعنة الرب"، فيما بدأ الناس يهتفون مطالبين بتحطيم الساعة، وطرد الجني الذي يتلبسها.قال الجني المليح، ذو الخدود المشتعلة، والذي اسمه توتو: كنت هناك، أستمع وأراقب، لكن لم يكن لي دخل في كل ذلك، فالساعة لم تكن إلا اختراعا، عجيبا، صنعه علماء ومهندسون مسلمون عباقرة.أما القصة الثانية التي يرويها توتو المليح، ولم يكن له دخل بها، لكن جاء ذكره فيها، واتهامه ظلما، بأنه يقف وراءها، فقد وقعت بعيدا عن فرنسا، زمانا ومكانا، في القاهرة هذه المرة، في عصر الاحتلال الفرنسي، أواخر القرن الثامن عشر، عندما جاء نابليون بالمطبعة، ليطبع المنشورات، ويسيطر على عقول المصريين.توالت الأحداث، وخرج نابليون من مصر، مذموما، مدحورا، لكن خلف وراءه المطبعة، وكانت غنيمة ثمينة، للمصريين، والمسلمين، قال الباشا حسنين: يا الله، يا لها من تحفة، سنستخدم المطبعة في طباعة القرآن الكريم، والكتب الدينية، وأيضا كتب الأدب والشعر، والمعارف المختلفة.طبع الرجل كتابا واحدا، لكن عمال المطبعة أنفسهم، ومعهم الجهال، بقيادة الشيخ فتحي، ثاروا ضده، وهتف كبيرهم في وجهه: حطم هذه الآلة الجهنمية، التي يتلبسها الجان، ستدمر ديننا، وستحرف القرآن، وكتب الصحاح، وتنشر التفاهات في مجتمعنا، فلن يأت لنا جني جاء مع "بونابرطا" بخير!!!!.هتفت الجميلة باشمئزاز "يا لهم من أغبياء يا حياتي"، فرد المليح توتو بأن الحق معها، وبأن الاتهام طاله لثاني مرة في قضية لم يكن له دخل بها، وقال بأن شارلمان لو تعلم أسس الميكانيكا والهندسة في الساعة، لاستطاع أن ينقل بلاده مبكرا نحو الأمام في سلم الحضارة.ولو استفاد الشيخ فتحي، ومن ورائه العرب والمسلمون، والدولة العثمانية، من المطبعة باكرا، لنقلوا الأمة الإسلامية نقلة حضارية إلى الأمام، وما كان المستعمر حينها بقادر على أن يستعمرها عسكريا وفكريا، فأمة بلا كتب ولا معرفة، أمة ضائعة.