11 سبتمبر 2025
تسجيلبعد رحلة استغرقت سنوات، عاد د. عادل من الولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة الدكتوراه من أفضل جامعاتها، وحقيقة، كان الرجل بارعا في مجال تخصصه، "فلسفة الأخلاق"، حيث تتلمذ على أيدي أشهر العلماء في هذا المجال. مضت 7 سنوات منذ عاد، لم يتطور وظيفيا، وألف 6 كتب حاول ان يبسط فيها مفهوم الفلسفة لطلبة الجامعات، لكن لم يجد ناشرا محترما يقبل طباعتها، فطبعها على حسابه مرغما، ثم بحث عن موزع فلم يعطه أحد وجها. أحد الناشرين تأمل كتابه الثاني، وقلب صفحاته، ثم قال : "الفلسفة المعاصرة .. تبسيط وتحليل" ، عنوان ممل، ثم أن محتوى كتابك واضح اكثر من اللازم، لو أعطيته لبائع الشاي في السوق سيفهمه، هذا يعني ان كتابك "تعبان" ، ولا قيمة علمية ترجى من ورائه. احمر وجه د. عادل ، وقال بأن هذه البساطة هي ميزة الكتاب، فقد استطاع أن يبسط أعقد المفاهيم الفلسفية في أسلوب بسيط، متاح للجميع، من الطالب الجامعي، إلى المثقف العادي، أو حتى ربة المنزل، دون أن يقلل ذلك من قيمة محتواه العلمي، حتى أن فلسفة دريدا "التفكيكية"، مشروحة في الكتاب ببساطة لا متناهية، أراد أن يقول للناشر بأنه جاهل، وظالم في حكمه، لكنه لم يفعل، بل غادر منكسرا.في ليلة ما، ذهب إلى منزل صديقه الرسام المشهور، جلسا في الحديقة الواسعة، وأخذ يشكو ويبث همه لصاحبه، استمع له الرسام طويلا، ثم طلب منه أن ينهض، ليدخل معه إلى مرسمه، الذي يقع في طرف الحديقة.هناك شاهد د. عادل ، عشرات اللوحات الإبداعية، الجميلة، التي رسمها صديقه الرسام عبر فترات مختلفة من حياته الفنية، لكنه لاحظ أيضا، أن تلك الرسوم جميلة ومفهومة، وتختلف تماما عن الأسلوب الذي اشتهر به الرسام لاحقا.قال الرسام : هذه هي الأجمل بين لوحاتي، تمثل رسما جميلا لمناظر طبيعية، وبعضها تحمل رسائل إنسانية ونفسية واضحة، لكنني بين أمرين، إما أن "أبللها بالماء وأشرب منقوعها"، أو أعلقها هنا حتى تهترئ، فلا أحد يريد الاطلاع عليها، لأنهم يعتبرونها عادية، مجرد صور فوتوغرافية. ثم أمسك بيده وأدخله إلى غرفة جانبية، مظلمة، سمع أصواتا غريبة، ميز بينها صوت أرنب، ودجاجة، وربما خروف، وقطط، قام الرسام بإشعال الضوء، فأصاب د. عادل الذهول، حيث وجد هذه الحيوانات وقد تلطخت أقدامها بالأصباغ المختلفة، تسير جيئة وذهابا، فوق 6 لوحات بيضاء، موزعة في أرجاء الغرفة، وعليها مع الايام تتشكل خطوط وهمية لا معنى لها، تشبه بالضبط أسلوب لوحات الرسام الشهير، والتي يبيعها بمئات الآلاف، تحت مسمى "الفن الحديث".بعد تفكير عميق، قرر د. عادل، أن يجرب حظه في التأليف من جديد، فألف كتابا بعنوان، "البطيخ والفلسفة"، يدور الكتاب بأكمله، وبأسلوب سفسطائي معقد حول السؤال التالي: "لماذا نأكل البطيخ؟ هل البطيخ موجود بالفعل أم أننا نتخيّل وجوده لأن حواسّنا هي التي أوجدته؟ هل البطيخ من الداخل لونه أحمر أم أننا نعتقد ذلك؟".هذه المرة تسابق الناشرون لطباعة الكتاب وتوزيعه، بمقدم عقد مجز، وخلال عام واحد أعيدت طباعة الكتاب عدة مرات، وباع آلاف النسخ، وأيقن أخيرا أنه عبر قنطرة الفقر نحو الثراء.