13 سبتمبر 2025

تسجيل

مقتولٌ يصدرُ حكمَ الإعدامِ على قاتليه

30 أكتوبر 2018

هناك أشخاصٌ، كجمال خاشقجي، يكونُ مقتلهم حكماً بالإعدامِ السياسيِّ والجنائيِّ والأخلاقيِّ على الذينَ قتلوهم. وكلما حاولَ المجرمونَ التهربَ من جريمتهم بتخليقِ الأكاذيبِ، تورطوا أكثرَ، وازدادتِ المطالباتُ بمعاقبتهم والاقتصاصِ منهم. ومن المفيدِ لنا، كشعوبٍ وأنظمةٍ سياسيةٍ عربيةٍ، أنْ نقرأَ بدقةٍ مراحلَ تعاملِ السعوديةِ مع جريمةِ القنصليةِ، لأنها تكشفُ أموراً كانت قيادتها تحرص على إخفائها وتغطيتها بالأكاذيبِ. 1) المرحلة الحمدية: نسبةً لتركي الحمد، الكاتبِ السعوديِّ الذي ينسبُ نفسه للعلمانيةِ، ويعلنُ صراحةً عداءه للإسلامِ، وعنصريته ضد العربِ والمسلمينَ. وهو القائلُ إنه يمقتُ تسميةَ السعوديةِ ببلادِ الحرمينِ. و في هذه المرحلةِ، بدأتْ محاولاتٌ لتحميلِ قطرَ وتركيا المسؤوليةَ عن اختفاءِ خاشقجي. وشارك في الحملةِ الشعواءِ إعلاميون سعوديون، ومرتزقةُ مجمعِ الصرفِ الصحيِّ المسمى بالإعلامِ المصريِّ. وكان ذلك تصرفاً غبياً، لأنَّ القيادةَ تجاهلتْ أنَّ الجريمةَ ليستْ شأناً محلياً تستخدمُ فيه ألاعيبَ إعلاميةً مبتذلةً لإقناعِ شعبها بما تريدُ بشأنه، وإنما هي قضيةٌ دوليةٌ خطيرةٌ ينبغي الحرصُ في التعاملِ الإعلاميِّ معها، وعدمُ استخدامِ الثاراتِ السياسيةَ الحمقاءَ فيها. 2) المرحلة الدخيلية: نسبةً لتركي الدخيل، الإعلاميِّ السعوديِّ، ومديرِ قناةِ العربيةِ، وأحدُ الأدواتِ الإعلاميةِ التي لا تنطقُ ولا تكتبُ إلا بتوجيهٍ مباشرٍ من مكتبِ وليِّ العهدِ. وبدأتْ هذه المرحلةُ بمقالٍ طفوليٍّ للدخيل هددَ فيه أمريكا والغربَ بإمداداتِ النفطِ، والارتماءِ في أحضانِ إيرانَ، والتحالفِ مع روسيا إذا ما قاما بفرضِ عقوباتٍ على المملكةِ بسببِ جريمةِ القنصليةِ. وبعد المقالِ، اندفعَ الإعلاميونَ السعوديونَ اندفاعةً رعناءَ جوفاءَ نحو تهديدِ الدولِ والشعوبِ، والتذكيرِ بالقوةِ الاقتصاديةِ والاستراتيجية للسعوديةِ (العظمى). وغابَ عن القيادةِ والدخيل والإعلاميينَ، أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لديها استراتيجياتٌ عالميةٌ لا ترتبطُ بشخصِ رئيسها، وإنما بمصالحها التي تشرفُ عليها المؤسساتُ، وتدرسُ فيها كلَّ الاحتمالاتِ، ولا يمكنها القبولُ بوجودِ تهديدٍ مستقبليٍّ محتملٍ بسببِ الطفولةِ السياسيةِ للقيادةِ السعوديةِ. وبذلك، فقدت المملكةُ الدعمَ السياسيَّ من الكونغرس والمؤسسةِ العسكريةِ الأمريكيةِ والدولِ الغربيةِ، وبدأ الهجومُ العلنيُّ الشديدُ على وليِّ العهدِ واتهامه شخصياً بالتخطيطِ لجريمةِ القنصليةِ، والأمرِ بها، ومتابعةِ تنفيذها، وكأنهم يقولون إنَّ التعاملَ مع المملكةِ مستحيلٌ بوجوده. 3) المرحلةُ الجبيريةُ: نسبةً لعادل الجبير، وزيرِ الخارجيةِ السعوديِّ. و هي مرحلةٌ تتسمُ بالاعترافِ بالجريمةِ، والدفاعِ عن الروايةِ السعوديةِ المتهافتةِ بشأنها. فبعد إنكارٍ طويلٍ، اعترفتْ القيادةُ بمقتلِ خاشقجي في القنصليةِ، فكان اعترافها إقراراً بكذبها السابقِ. ثم أوردتْ قصةً لا يصدقها العقلُ عن الكيفيةِ التي تمَّ بها قتله، وعن قيامِ مجموعةٍ مارقةٍ بارتكابِ الجريمةِ دون علم القيادةِ، مما زادَ في يقينِ المجتمعِ الدوليِّ باستمرارِ الأكاذيبِ للتغطيةِ على المسؤولِ الحقيقيِّ. وهنا، نلاحظُ ثلاثةَ أمورٍ: الأول: أنَّ الأشخاصَ الذين قُدموا كأكباشِ فداءٍ ليس بينهم شخصٌ ذو قيمةٍ اعتباريةٍ أو قبائليةٍ. وهذا يعني أنَّ القيادةَ تدركُ أنَّ التضحيةَ بأشخاصٍ مهمينَ أمرٌ ستكونُ له تداعياتٌ داخليةٌ خطيرةٌ. الثاني: هو الانكسارُ النفسيُّ سياسياً، والمتمثلُ في التوددِ اللزجُ لتركيا وأردوغان، بعد سنواتٍ من العداءِ الضاري، والحملاتِ الإعلاميةِ الشعواءِ ضدهما. الثالث: هو الغيابُ السياسيُّ الفعليُّ للإماراتِ ومصرَ عن المشهدِ، واكتفاؤهما بالدعمِ الإعلاميِّ المحايدِ. فكأنهما تقومانِ بإبعادِ نفسيهما عن الهاويةِ التي تعلمانِ جيداً أنها تنتظرُ المجرمينَ والذين أمروهم بالجريمةِ، وكلَّ الذين صمتوا رغم أنهم علموا بها قبلَ وخلالَ وقوعها. وفي نهايةِ المقالِ، لابد من طرحِ سؤالينِ: 1) هل فكرَ أحدٌ أنَّ تقطيع خاشقجي بالمنشار كان جزءاً من التعذيبِ الفظيعِ الذي أدى لوفاته؟. أو أنه كان يفكرُ بابنه صلاح وبقيةِ أسرته، بينما كانت عظامُ ساقه تُهشمُ؟. 2) هل يرضى السعوديون عن غياب خاشقجي بالقتل، ود. سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي، وأمثالهم من أفاضلِ الناس بالاعتقال، ليتصدرَ المشهدَ تركي آل الشيخ، وتركي الحمد، وعثمان العمير، وأمثالهم من أراذل الناس وعبيد الحاكم؟. إنَّ الإجابةَ عنهما هي المقياس لإنسانيتنا، ولوطنية الشعبِ السعوديِّ. كلمة أخيرة: ينبغي أنْ يدركَ الجميعُ أنَّ الأوطانَ أهمُّ من الأشخاصِ، وأنَّ الأثمانَ البخسةَ لا تنفعُ في دفع المخاطرِ المحتملةِ.