29 أكتوبر 2025

تسجيل

خطورة ظاهرة تكفير المسلم على الفرد والمجتمع (1)

30 أكتوبر 2014

يلحظ المتابع في الآونة الأخير اشتداد ظاهرة تكفير المسلمين بل وسهولة ذلك عند البعض، يكفر الرجل أخاه وربما شيخه وربما جماعة من المسلمين بكلمة واحدة دون أن يتردد في قوله أو يستوثق مما في يده، يقذف أحدهم تلك الطامة مُتناسياً أو متغافلاً ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطورة هذا المسلك، فقد روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما). وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك). فما هو الكفر؟ وما خطورته؟ وهل هناك ضوابط في تكفير المسلم؟ هذا ما سنتعرض له إن شاء الله في تلك المقالات. الكفر في اللغة: الستر والتغطية، يقال للمزارع: كافراً. لأنه يغطي البذر بالتراب، ومنه سمي الكفر الذي هو ضد الإيمان كفرا؛ لأن في كفره تغطية للحق بجحد أو غيره، وقيل: سمي الكافر كافرا لأنه قد غطى قلبه بالكفر. ويطلق على من كذب أصلاً من أصول الإسلام معلوم من الدين بالضرورة، أو ارتكب ناقضا من نواقض الإيمان المكفرة. يقول ابن حزم: "وهو في الدين: صفة من جحد شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان". ويقول ابن تيمية: "الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم". وكذلك يكون: "بإنكار ما علم من الدين ضرورة أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها". وقد حذر الإسلام من الخوض في تكفير المسلم من غير تبين، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} وفي الآية نهي عن إطلاق الكفر على من ظهر إسلامه حتى يتبين حقيقة الأمر، فإن إعلان إسلامه يوجب قَبوله ولا ينصرف عنه إلا بيقين مماثل، وتجاوز ذلك يعد من الإيذاء المنهي عنه في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} وأي إيذاء أعظم من تجريد المسلم من دينه. إن القرآن والسنة ينهيان عن "تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه، ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له: أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين، ثم أذنب ذنبًا أو تأول تأويلا، فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام، لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب الحجة، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر، أو سنة ثابتة لا معارض لها، وقد اتفق أهل السنة والجماعة - وهم أهل الفقه والأثر - على أن أحدًا لا يخرجه ذنبه - وإن عظم - من الإسلام، وخالفهم أهل البدع. فالواجب في النظر ألا يكفر إلا من اتفق الجميع على تكفيره، أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة". ولهذا اشتهرت مقولة أهل العلم: أهل السنة يخطِّئون، وأهل البدعة يكفرون. يقول ابن الوزير (840هـ):"وفي مجموع النصوص ما يشهد لصحة التغليظ في تكفير المؤمن، وإخراجه من الإسلام مع شهادته بالتوحيد والنبوات، وخاصة مع قيامه بأركان الإسلام، وتجنبه للكبائر، وظهور أمارات صدقه في تصديقه لأجل غلط في بدعة، لعل المكفر له لا يسلم من مثلها أو قريب منها، فإن العصمة مرتفعة، وحسن ظن الإنسان بنفسه لا يستلزم السلامة من ذلك عقلاً ولا شرعاً، بل الغالب على أهل البدع شدة العجب بنفوسهم والاستحسان لبدعتهم". وحتى يكون الأمر منضبطا بلا تجاوز يفضي إلى الظلم، أو تساهل يدفع على التجرؤ على الدين والاستهانة بأحكامه؛ جعل الإسلام محاذير وضوابط تمنع المسلم من تكفير أخيه، نتعرض لها في المقال القادم إن شاء الله .