28 سبتمبر 2025
تسجيلمقطع شعري قصير ظلّ يتردّد في الذاكرة منذ أكثر من عشر سنوات: " أنا قهوتي مرة / ولكن قومي يخونون ملحي / كثيرون مروا وما اعترفوا / بجفاف حقولي وقمحي". رددته لنفسي مرّات ومرّات، وحفظه عني الأطفال، وكتبته في متون الصفحات الحقيقية والافتراضية، مبتهجاً بهذه النتفة التي تصلح كبطاقة شخصية لشاعر مثلي، يجمع بين الريف والبداوة، سألت أصدقائي عن هذا الشاعر: " حبيب الزيودي" الذي قرأت له هذا المقطع عن مجلة ثقافية أردنية قبل أكثر من عشر سنوات؛ فلم أظفر بجوابٍ شافٍ. ظننته شاعراً كبير السنّ من زملاء طاهر رياض أو راشد عيسى ممن لم تفطن إليهم آلة الإعلام، ووصلت إلى أنه شاعر مقل كتب في شبابه شعراً جميلاً ثم سكت، كما فعل مواطنه محمد الظاهر الذي كتب نصوصاً مبهرة بعد اجتياح بيروت، ثم سكت وصار يكتب شعراً للأطفال، غير أن قهوته المرة مازالت حاضرة " الهيل" أمامي، كلما تذكرتها، والأطفال الذين حفظوها عني صاروا كباراً، وحبيب الزيودي في الذاكرة أسير الحقول والماء الشحيح وخيانات القوم. إن كان ثمة فضل يذكر للفيس بوك فهو هذا الاشتباك الافتراضي بين الأسماء رغم تحديات الجغرافيا، منهم أصدقاء تقطعت بيننا وبينهم السبل فقرب بيننا هذا الفيس من جديد، ومنهم أسماء تمنينا أن نتعرف إليهم من خلال ما كتبوه..فكان، ولا أدري كيف عثرت على صاحب القهوة المرة، وما كان أمامي إلا أن أطلب صداقته..فوافق مشكوراً، ويبدو أنني تعرفت إليه في أكثر فترات حياته نشاطاً ؛ كاتباً لعمود في جريدة الرأي الأردنية، وهنا وهناك قصاصات شعرية على (حائطه) تجمع بين الهجاء والحنين إلى المكان، مسقط رأسه العالوك، ومرثية عن شخصية أردنية وطنية: " وصفي التلّ". وكما حسبته فقد كان نصه شعراً حقيقياً خالصاً، قريباً من القلب، ينتمي إلى مدرسة الحياة التي اهتمت بالقصيدة بعيدة عن ترف البلاغة، يذكرني بنصوص الصديق راشد عيسى بغنائيتها العالية، وانتمائها للإنسان، ولهذا كانت قصاصاته التي خص بها مسقط رأسه العالوك مثار إعجاب أصدقائه وقرائه: " انا ابن الأرض والغزلان – انا غواني الصياد – في سفح خدعها/ وقد وردت على غفل ضفافا لنبعوه وهناك يرصدها/ جفلْتُ وزدتها حذرا/ فعاد يجرّ خيبته على عزفي/ وناي زائد ثقبا/ وعودينا قصورا". الخبر الذي قرأناه ونحن نتصفح المواقع في غفلة عن العيد بحثاً عن طارئ جديد في الوجع السوري لم يكن غير نعي الشاعر " حبيب الزيودي" صبيحة ثاني أيام العيد، تاركاً لأصدقائه وقرائه دهشة وحسرة، ودعاء بالرحمة والمغفرة، وعجباً لهذا الموت الذي استشعره الراحل في نصوصه الأخيرة: " الغيوم على السفح عالية والسماء قريبة / هنا: قربت متمة السنديان،على النبعِ / باغتني أول العمرِ / أو لحبٍ/ تصدع قلبي له حين باغتني البرق/ برقالتي وعدتني ولم تأت/ لم تأت،حتى أمرن قلبي على الحب والطيران.