11 سبتمبر 2025
تسجيلثم جمَّعْنا الحواة في البرية، وقيدناهم بما بقي في البلد من حبال، كانوا رجالاً بقمصان بيضاء وربطات عنق، وبمعاطف سوداء طويلة، ولفّاحات حمراء وسوداء، وبعضهم ببزات عسكرية نظيفة. جمّعناهم وأشعلنا النار كما قرأنا في طرزان، ورقصنا حول النار، وقدمناهم إلى المحاكمة بسؤال وحيد: "لماذا خدعتمونا بقرب المطر؟"، وكانوا يستغيثون ويولولون.على ذلك الصعيد من براري التيه كنّا جميعاً نمشي على عكاكيز، ونحمل جوعنا وذلّنا وخيباتنا، وكان المطر بعيداً، في بلاد من عشب وآيس كريم، يفرّ إليها ذوو الأرجل السليمة والحواة طبعاً، وبقينا نحن نضرب في أرض المحنة والسؤال، وجاء العيد وراء العيد، ولم تنهزم فينا الطفولة، ولكنّنا من طين وماء، والمطر بعيد.تدافع الحواة بعيداً عن اللهب، واستنجدوا، وما لبثت النار أن ركضت في كلّ اتجاه، فركضنا أيضاً، وركض البحر والريح، وعطس الغيم، وأنجبت الدروب نازحين ولاجئين وقطارات.كنا حائرين، فبحثنا عن الحواة الذين تركناهم هناك، وقد وجدوا في الفصل الجديد فنادق وخمّارات وأماكن للعب الشدّة، والشطرنج، وبيع العقارات والمواقف. كانوا يتكلمون يتكلمون.. وكنّا نسترق السمع بقلوب واجفة على ذلك الصعيد بين الغيم والريح والنار.*وحده ظلّ هناك، وقال لي يا شاعر: "اكتب على أيّ بحرٍ تشاء؛ فالشاعر الحقيقي يصطاد سمكاً جميلاً. حتى على الأنهار اكتب؛ فالمياه الحلوة تنبتُ البطاطا والخسّ، ولكن لا تكتب على المستقعات؛ فهذا سيصيبك بوباء لن تنجو منه، ولن ينجو منه أهلك" وقال لي: "إذا استهم القوم على السفينة فعُد إلى الصخرة، ولا تبرحها حتّى يأتيك اليقين، وخذ من كلّ غيمةٍ حفنة ماء، فإذا جاؤوك فأطعمهم، وإن سكنوا الماء فدثرهم، وإن جادلوك فقل هاتوا أخشابكم، وإن قالوا لك اركب معنا، فقل هاتوا سفينتكم، وإن قالوا وراءنا ملك، فقل أمامكم بحر.. وليكن ليلك ضوئي ولتكن نارك قهوتي". *على ذلك الصعيد انهزمنا جميعاً، وتدبّر الموتى للأحياء حطباً وناراً، وهناك أيضاً تدبّر الموتى ورقاً لنكتب، وبحوراً جديدة لم ترسم في خريطة، وهناك وقف الحواة يبيعون الموت والنصوص على قارعة التيه.