09 سبتمبر 2025
تسجيلمن الجيد أن تفر بعيدا عن حدود (العادي والمألوف) بين الحين والآخر، وتخالف المنطق وما ينطق به عقلك، بالتجديف عكس تيار الأحداث التي تدور من حولك؛ لأنك وإن وافقتها في ذاك التوقيت تحديدا فإن الدنيا ستُعاكسك، وستجد منها ما لا يروقك؛ ولأن قلمي يحمل على عاتقه مهمة مساعدتك على تجنب ذلك، فلقد رأيت ضرورة تخصيص رحلة اليوم؛ للتحدث عن رحلتي التي خضتها الأسبوع الماضي، وأدركت معها ومن خلالها بعض النماذج الإنسانية الرائعة التي نحتاجها في حياتنا؛ كي تقضي على البؤس الذي يظهر أمامنا ويترك أثره الغائر في النفوس، ويكفيني منها تلك المدعوة «مريم» فإليكم التالي: جمعتني الظروف بسيدة مكافحة جدا، تعمل وبضمير في محل (ما)؛ كي تحل معادلة الحياة التي حلت بضغوطاتها عليها، وهو ما قد أَقبَلَت عليه وعلى مضض من أجل لقمة العيش، التي نعمل من أجلها أيضا، ولكن (الضمير) الذي يُخالط حرصنا على إتمام ما علينا من مهام يتلون من فرد لآخر، وبالنسبة لها فإن ذاك اللون الذي توشحت به قد قَبل رأس قائمة أولوياتها؛ لأنها كانت تعمل وتغطي حاجات الجميع، والجميل أنها كانت تساعد هذا وذاك دون كلل أو ملل، وحين جرتها مهام عملها نحوي، أقبلت علي تحمل ابتسامة لم أتحمل روعتها؛ لأنها وقبل دقيقة مضت كانت قد تعرضت للتوبيخ من أحد الزملاء، ولكنها تعاملت بحكمة ترجمت أخلاقها الراقية وأنهت ذاك الموقف بالابتسامة التي وجهتها لي وتوجهت بها نحوي، بصراحة لم أتمالك نفسي، ورغبت بمعرفة المزيد عنها؛ لأني شعرت أنها صاحبة قصة تستحق السرد، ولقد كان لي ما أردت غير أنها اختزلت تفاصيل حياتها في دقائق، كشفت الكثير عن شخصيتها الرائعة، التي تعيش كي تعطي، وتسير بين الخلق حامدة الخالق كل الوقت على كل صغيرة وكبيرة في حياتها، فكان ذاك هو سر التوفيق الذي ميزها عن كل من حولها. يا الله كم ألهمتني تلك المخلوقة وهي تشكر الله وتحمده على كل شيء حتى ذاك الموقف الذي تعرضت له ولكل ما هو أكثر وأكبر منه وبشكل يومي. والحق أن بيننا من يعيش في هذه الحياة معتمدا ذات النهج، ويستحق منا كل الشكر والتقدير؛ لأن الحياة تصبح مكانا أفضل بوجوده معنا. أما من تبقى ويعيش كي يتذمر من أمور تافهة جدا، ويُهدد برحيله كل الوقت، دون أن يصبر، فهو من يندرج تحت قائمة (لا يحمد ولا يشكر ولا يُجيد سوى التذمر)، والحق أن ميزان الحق يميل نحو الزمرة الأولى، ممن يجدر بنا الاهتمام بها؛ كي تظل كما هي، دون أن نسمح لها بالتحول لأي شيء آخر لا شك لن نقبل به بيننا. أدرك تماما أن ذاك الموقف قد يبدو بسيطا جدا، ولكن عظمة تلك الشخصية وما تتمتع به من صبر يحثني بل ويُجبرني على الكتابة عنها، وعن أهمية الصبر والشكر ونبذ التذمر؛ لأننا نُقبل على هذه الحياة؛ كي نعطي وبضمير، ومن يفعل كل ذلك ويُنهي عمله بما يُرضي الله؛ ليُرفع إليه سيحصد كل خير ولو بعد حين. لك يا عزيزي قد تجد بين لحظات حياتك ما يُرهقك، وقد يتناوب عليك ذاك الشعور الغريب بنوبات غضب، ستفرض عليك غربة تجعلك كالغريب وإن كنت في جوف الوطن، والحق أنه ما لن يكون هينا لينا، ولكن يكفيك من كل ذاك المشهد، أن تخرج بالتالي: متى غَلبتك تلك اللحظات تَغَلب عليها بابتسامة كتلك التي ظهرت على ملامح تلك المغتربة البعيدة كل البعد عن وطنها، والقريبة كل القرب من الله لصبر تحلت به، وقضت من خلاله على أبشع اللحظات. وأخيرا تحية لتلك المغتربة، تحية من الأعماق يا (مريم).