10 سبتمبر 2025
تسجيلفي مطلع الشهر الحالي أقر الرئيس بايدن بما مفاده أن الحملة العسكرية على الحوثيين لن تؤتى بثمارها المتوقعة، وهو شبه إقرار بفشل الحملة ضد الحوثيين، أو بصعوبة هزيمتهم. وفي ذات الشهر أيضا، شن الحوثيون ولأول مرة هجوما على إسرائيل، تأكيدا على فشل حملة تحالف الازدهار المستمرة من يناير في تقويض الحوثيين، وتمدد سطوة الأخيرة. بالإضافة إلى شن الجماعة هجمات على بعض السفن في البحر الأحمر التي يزعم تبعيتها أو دعمها لإسرائيل. وقد أثار فشل تحالف حارس الازدهار بقيادة واشنطن الذي تشكل في يناير الماضي، في هزيمة الحوثيين الكثير من اللغط والحيرة. إذ على مدار سبعة أشهر من انطلاق الحملة، لم تحقق أية نتائج جوهرية. بل ان الحوثيين في منعطف استعراض قوة مستمر، بل حتى زعيم الجماعة «عبد المالك الحوثي» قد قلل في حديث رسمي له من أهمية وفعالية هذه الحملة. ومكمن الحيرة أو التعجب الرئيسي ربما لدى واشنطن أيضا، هو عدم تصور أن تكون هزيمة الحوثيين بهذه الصعوبة. وعلى إثر ذلك، ذهب البعض بالتأكيد أن ثمة تواطؤا أمريكيا مع الجماعة، إذ لا تتعمد واشنطن استهداف مراكز القيادة الرئيسية للجماعة في اليمن، ولا قادتها الرئيسيين. أما سبب التواطؤ، فهو للإضرار بالتجارة الصينية في البحر الأحمر. مسألة التواطؤ الأمريكي مع الحوثيين أو إيران داعمها الرئيسي، مستبعدة من الأساس، وذلك عند النظر فقط لحجم الإنفاق المهول على الحملة التي بلغت بحسب التقديرات 30 مليار دولار حتى الآن دون نتيجة بالطبع، وتطور خطر الجماعة ليطال إسرائيل الخط الأحمر الأمريكي. ثمة أسباب عديدة مترابطة لفشل الحملة ضد الحوثيين. أولها وأهمها، هو سوء التقدير الأمريكي-الغربي حول القوة الحقيقية للجماعة، وذلك من حيث خبرتها القتالية، وأعداد العتاد والصواريخ معها، وعقيدتها القتالية، وعدد أفرادها. وأبلغ دليل على ذلك، هو الكم الهائل من الصواريخ والمسيرات التي لدى الجماعة والتي لم تنفد رغم نجاح التحالف في إسقاط المئات منها. فضلا عن دقة استخدامها عن بعد ضد أهداف في البحر الأحمر، ويعكس ذلك الخبرة الواسعة التي اكتسبتها الجماعة. إذن فمن حيث المبدأ، كان من المفترض على تحالف الازدهار تبني خطط أكثر قوة وصرامة في حربه ضد الحوثيين، وهذا ما أقر به البنتاجون بالقول إن هزيمة الحوثيين تحتاج إلى استراتيجية أكثر قوة وصرامة. ومع ذلك، فالرهان على قدرة الاستراتيجية الصارمة على هزيمة الحوثيين بصورة مطلقة رهان خاسر، فمن شأنها فقط الحد من هجمات الجماعة المتواصلة في البحر الأحمر. إذ يمكن القول إن هزيمة جماعة أيديولوجية مثل الحوثيين تعمل في بيئة تضارسية جبلية معقدة، أمر أشبه بالمستحيل. ولنا في طالبان أفغانستان عبرة، إذ أقصى ما أنجزته الولايات المتحدة من خلال أسلحتها شديدة التطور، وإنفاقها الذي ناهز ال2 تريليون دولار، هو إضعاف طالبان وقتل بعض من قادتها. ومن ثم، فإضعاف الحوثيين، وليس هزيمتهم، يتطلب استراتيجية صارمة طويلة المدى تستند على استخدام تقنيات عسكرية متطورة، وتحالف أوسع، وتعاون استخباراتي عالي المستوى. والاستعداد إلى تدخل بري إذا استلزم الأمر. ونعتقد أن الولايات المتحدة غير راغبة وغير مستعدة أيضا لتبني تلك الاستراتيجية التي ستكبدها مليارات الدولارات، وتشتت التركيز الأمريكي على أهداف أكثر أهمية. الرهان على الحسم العسكري ضد الحوثيين وغيرها من الكيانات من غير الدول العسكرية الجهادية، قد فشل فشلا ذريعاً. وسيواجه جولة أخرى من الفشل ربما أكثر فداحة مع الحوثيين. وبالتالي، فالرهان على تحييد تلك الجماعات وتقويض تهديداتها، ينبغي أن يكون رهاناً سياسياً بالأساس. تعالج فيه جذور الأزمة وليس أعراضها. ومن ثم، فالحل يجب أن يبدأ من داخل اليمن ذاتها عبر تكثيف الجهود لمصالحة شاملة يتم فيها الاعتراف بالحوثيين كمكون سياسي واجتماعي أصيل، ويحتاج ذلك إلى صبر وتدخل وسطاء أكثر قبولا وعلى رأسهم الصين. وفوق كل ذلك، يكمن الحل الجذري في تخميد المد الجهادي في المنطقة في العمل على حل شامل عادل للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة، وضرورة وقف حرب الإبادة في غزة.