09 سبتمبر 2025

تسجيل

ترامب والحرب الأوكرانية

19 أغسطس 2024

منذ أن بدأ حملته الانتخابية وحتى آخر لقاء معه مع الملياردير «إيلون ماسك» على منصة «إكس»، كرر ترامب في كل مناسبة أو لقاء جماهيري أو إعلامي، جملتين بشأن الحرب الأوكرانية وهما «لو كنت موجودا في السلطة لما قامت هذه الحرب»، و»سأنهى هذه الحرب خلال 24 ساعة بصورة سلمية». وعلى هذا الأساس، أثار موقف ترامب من الحرب الأوكرانية الكثير من التساؤلات الرئيسية، خاصة وأنه الأقرب للبيت الأبيض بصورة كبيرة عن منافسته هاريس، وأهم هذه التساؤلات المثيرة للجدل مفاده هل بمقدور ترامب إنهاء الحرب، وكيف؟. إذ يرى كثيرون في صدد ذلك أن تصريحاته بشأن الحرب مجرد دعاية انتخابية. بسبب الخطورة والحساسية الشديدة للملف الأوكراني للولايات المتحدة وحلفائها وللعالم. في كل مرة يُسأل فيها ترامب كيف ستنهى الحرب الأوكرانية، لم يدل بإجابة أو خطة محددة، مع الإدلاء بجمل غامضة من قبل بوتين مفاوض ناجح ويريد إنهاء الحرب، قمت باتصال مع رئيس أوكرانيا والاتفاق معه على إنهاء الحرب، الحرب كلفت الخزانة الأمريكية أموالا طائلة وأضرت بالولايات المتحدة. ويدل ذلك على معرفة ترامب الجيدة أن إنهاء هذه الحرب، أو إنهاء الدعم الأمريكي لها ليس بالأمر الهين. يمنح الدستور الأمريكي للرئيس الأمريكي صلاحية تحديد السياسة الخارجية الأمريكية أو وضع التصور العام للسياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فصلاحيات الرئيس الخارجية تظل مقيدة في بعض الجوانب الخارجية التي خص بها الدستور الأمريكي الكونجرس، وعلى رأسها المساعدات الخارجية، وسلطة تمديد عمل القوات المسلحة في الخارج، وهذا من جانب. ومن جانب آخر، في بعض القضايا الاستراتيجية الحساسة وخاصة دعم إسرائيل، والتصدي للصين وروسيا، ومكافحة الإرهاب. يتم صنع القرار بمشاركة دوائر داخلية متعددة من أبرزها البنتاجون وجهاز الأمن القومي، ويخضع الرئيس دائما لقرار هذه الدوائر التي يطلق عليها «العميقة» حيث لديها رؤى مختلفة تتعلق بأمن الولايات المتحدة واستدامة دورها المهيمن في العالم. ومن هذا المنطلق، فقدرة ترامب على إنهاء الحرب الأوكرانية ليس بالأمر السهل، حيث يتطلب ذلك أمرين، أولهما أغلبية جمهورية في الكونجرس، وموافقة الدوائر العميقة على ذلك. وباستقراء الموقف الأمريكي تجاه الحرب منذ اندلاعها، يتبين أن تلك الحرب تلقى دعما واضحا من الحزبين من خلال الكونجرس الذى وافق بأغلبية عدة مرات على استمرار الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا، وأيضا من الدوائر العميقة التي تسعى فيما يبدو إلى استنزاف روسيا. ومن ثم، أيضا إضعاف التحالف الصيني- الروسي. وعليه، فإنهاء ترامب لهذه الحرب أو إنهاء الدعم الأمريكي لها، في وقت قصير وليس في 24 ساعة كما يدعى لأغراض دعاية، نظن أنه مهمة مستحيلة. إذن، فمحل البحث الرئيسي ينبغي أن يكون منطلقة الرئيسي كيف سيؤثر ترامب على هذه الحرب، وليس كيف سينهيها. فوجود ترامب في السلطة بما له من صلاحيات خارجية واسعة وحق الفيتو في قرارات الكونجرس، سيؤثر بلا أدنى شك على مسار الحرب الأوكرانية. من منطلق سوابق ترامب الخارجية، وأسلوب قيادته، وتصريحاته في الحملة الانتخابية. يمكن القول إن تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيتأثر مؤكداً في وجوده. يتعامل ترامب في السياسة الخارجية من منطلق التاجر والمكسب والخسارة المباشرة. إذ لا يعنيه مصالح ومفردات من قبيل انتصار الديمقراطية على الديكتاتورية أو محور الشر، أو استنزاف روسيا.. إلخ. فقط ما ترمى إليه بصيرته هو كيف سيؤثر هذا القرار على المصالح الأمريكية المباشرة خاصة الاقتصادية، وكيف يؤثر هذا التهديد بشكل مباشر على الولايات المتحدة. وسبق وقد انتقد ترامب في أكثر من مناسبة الدعم المالي الأمريكي الكبير على أوكرانيا. وبالتالي، سيضغط ترامب بشتى السبل لتقليص الدعم لأوكرانيا، وسيواجه الكونجرس فيتو رئاسيا مستمرا موجها لدعم أوكرانيا. والدعم الأمريكي لأوكرانيا أمر في غاية الأهمية لترسيخ الصمود الأوكراني ضد روسيا، حيث تمكن الجيش الأوكراني من اختراق «كورسيك» على مقربة من العمق الروسي. وجود ترامب أيضا، سيدفع تحالف شركاء الأطلسي مجددا إلى حافة التوتر كما حدث في ولايته السابقة. في لقائه الأخير مع ماسك، وجه انتقادات لأوروبا بحسبانها تستغل واشنطن، ويجب أن تدفع ثمن الحماية الأوروبية. ومن ثم، فمن المؤكد أن تحالف الأطلسي القوى الداعم لأوكرانيا لن يستمر على نفس القوة في وجود ترامب. ونخلص من ذلك، أن وجود ترامب في البيت الأبيض مرة ثانية، لن ينهى الحرب أو الدعم الأمريكي بصورة نهائية قاطعة. لكنه حتما سيؤثر بصورة كبيرة على هذه الحرب، وهذا سيصب في صالح روسيا، على الأقل من زاوية عدم تقديم أية تنازلات لإنهاء هذه الحرب.