09 سبتمبر 2025
تسجيلفي إطار التصعيد الجاري حاليا بين إسرائيل وحزب الله، عقب اغتيال إسرائيل لكل من إسماعيل هنية وفؤاد شكر. وتوعد حسن نصر الله والحرس الثوري الإيراني إسرائيل برد حاسم ردا على عمليات الاغتيال. تتزايد المخاوف في المنطقة من حرب شاملة، ويتداول مفهوم الحرب الشاملة على نطاق واسع دون التمعن في تفاصيله لاسيما أطرافه الرئيسية ونطاقه وتداعياته. قد أصبح من المتداول في المنطقة أن الحرب الشاملة هي مرادف لحرب عنيفة يتم فيها حشد كل القوات والإمكانات العسكرية واللوجستية بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، أسوة بحرب عام 2006 لكن على نطاق أقوى وأعنف. وإن كانت شرارة الحرب ستكون بالقطع بين حزب الله وإسرائيل؛ إلا أنها ستكون شاملة- في واقع الأمر - لأنها ستدفع أطرافا عديدة للتورط فيها وعلى رأسها إيران والولايات المتحدة، بجانب معظم حركات المقاومة في سياق وحدة الساحات. وبالتالي، فهي شاملة من حيث النطاق والأطراف والتداعيات الوخيمة على المنطقة والعالم بالقطع. ومن هذا المنطلق، فاندلاع هذه الحرب الشاملة ليس بالأمر السهل- كما يتراءى للكثيرين - بل يؤكد عدد لا يحصى من الشواهد خلال السنوات السابقة الممتدة حتى ما بعد تداعيات طوفان الأقصى، أن الأطراف الرئيسية الكبرى ونقصد تحديدا الولايات المتحدة وإيران لا يريدون هذه الحرب بأي حال من الأحوال. وأقرب شاهد على ذلك هو تسوية أزمة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، عبر اتفاق بين واشنطن وإيران على عدم التصعيد. وتمادي إسرائيل في استفزاز الجميع وخاصة حزب الله، يؤكد أمراً واحداً، أن إسرائيل ترغب في هذه الحرب بشدة، والمستفيد الوحيد منها. بل وتسعى بشتى الطرق لتوريط الولايات المتحدة فيها، لأنها ستكون الفرصة الذهبية للقضاء على طموحات إيران النووية وتدمير جميع خصومها من حركات المقاومة وخاصة حزب الله الذين أصبحوا يشكلون تهديداً وجودياً لإسرائيل، وفقا لمزاعمها ورؤيتها الأمنية. وعلى إثر تلك المعطيات السابقة، يتبدى لدينا سيناريوهان بشأن الحرب الشاملة على الأقل خلال الفترة المتبقية لإدارة الرئيس بايدن: الأول: وهو المرجح بشدة، استبعاد اندلاع هذه الحرب. ثمة عوامل متعددة مرجحة لهذا السيناريو أهمها عدم رغبة واشنطن وإيران- كما ذكرنا - في اندلاع هذه الحرب. ينبع الرفض الأمريكي العام من التورط في حرب مع إيران من عدة اعتبارات من بينها، التداعيات الخطيرة لهذه الحرب على مصالح واشنطن وقواعدها في المنطقة وعلى مصالح حلفائها، عدم استعداد الولايات المتحدة لخوض حروب أخرى في المنطقة نتيجتها الفشل الحتمي، تركيز واشنطن التام على تقويض الخطر الصيني، وأخيراً أن وجود التهديد الإيراني في حد ذاته يشكل مبرراً لاستمرار وجودها العسكري في الخليج والضغط لتسريع التطبيع واستمرار مبيعات السلاح في المنطقة بصفقات تقدر بمليارات الدولارات. وعلى الجهة المقابلة، فتداعيات حرب مباشرة مع أمريكا شديدة الوطأة على إيران وعلى مكاسبها الثمينة التي حققتها منذ الربيع العربي. وبالتالي، يتوقف تحقيق هذا السيناريو في المقام الأول في نجاح الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل في إيقاف سياستها الاستفزازية تجاه حزب الله وخاصة سياسة الاغتيالات، وعدم الانجرار إلى تصعيد عنيف إذا قام حزب الله بالرد على عمليات الاغتيالات الأخيرة. إذ من المؤكد أن يقوم حزب الله بصورة منفردة أو بالتعاون مع إيران أو بعض الوكلاء، بعملية عسكرية قوية إلى حد ما ضد إسرائيل، لكن نعتقد أنه سيكتفى بهذا الرد كالمتعاد بأوامر عليا من إيران. الثاني: ليس مستبعدا، لكنه غير مرجح بصورة كبيرة، وهو اندلاع الحرب الشاملة. يشير بعض الخبراء الأمريكيين أن إسرائيل قد أصبحت أخطر تهديد للولايات المتحدة، بل يضيفون أن ضياع ما تبقى من هيمنة أمريكية في العالم سيكون على يد إسرائيل. ويتبدى منذ طوفان الأقصى أن واشنطن قد أصبحت في مأزق عميق بشأن التعامل الأمثل مع إسرائيل، حيث أصبحت الأخيرة خارج نطاق السيطرة الأمريكية المعتادة. فرغم ضغوط إدارة بايدن على إسرائيل لعدم التصعيد في المنطقة وخاصة تجاه حزب الله والذي وصل إلى حد منع توريد بعض الأسلحة الخطيرة لإسرائيل. ومع ذلك فإسرائيل بقيادة تحالف اليمين المتطرف ماضية في تصعيدها. وبالتالي، فاستمرار هذا التصعيد سيدفع بالحرب الشاملة لأن إيران ووكلاءها ليس بمقدورهم تحمل فوق طاقتهم من استفزاز إسرائيلي. خاصة وأن هذا الاستفزاز قد بدأ يطال خطوطا حمراء لإيران. فسياسة الاغتيالات على سبيل المثال قد طالت أكثر من 40 قيادة عسكرية هامة في حزب الله آخرهم فؤاد شكر أهم قائد عسكري في الحزب. لكن على الرغم من ذلك، ثمة أمر رئيسي قد يجعل إسرائيل تعدل عن إصرارها على الحرب الشاملة- وليس استبعادها تماما - خلال ولاية بايدن المتبقية، ويكمن في مخاوفها من عدم تقديم إدارة بايدن الدعم الكافي لها للاستمرار في هذه الحرب، والضغط لإنهائها بصورة سريعة. فإسرائيل على علم تام بالانقسام الدائر الآن حتى بين الديمقراطيين بشأن دعم إسرائيل، فقد قاطع عدد من النواب الديمقراطيين خطاب نتنياهو الأخير في الكونجرس. ملخص القول، نرى أن الحرب الشاملة في المنطقة أمر مستبعد على الأقل حتى نهاية ولاية بايدن، فالحاصل الآن هو ضغوط أمريكية شديدة على إسرائيل لعدم التصعيد يساندها بعض الأطراف الرئيسية كقطر ومصر والسعودية، مما سيجعل إسرائيل ترضخ لهذه الضغوط بصورة كبيرة.