09 سبتمبر 2025

تسجيل

سياسة الاغتيالات الإسرائيلية

03 أغسطس 2024

في كل عملية اغتيال تقوم بها إسرائيل خاصة ضد قيادات كبيرة في حركات المقاومة؛ يثار لفترة قصيرة مجموعة أسئلة متكررة حول أهداف إسرائيل من سياسة الاغتيالات، وجدوى سياسة الاغتيالات (السؤال الأهم)، وتأثير هذه السياسة على حركة المقاومة المستهدفة...وغيره. وأقدمت إسرائيل في يومين متتالين باغتيال اثنين من أكبر قادة حركات المقاومة في سابقة غير مسبوقة، الأول إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد القادة التاريخيين لحماس. وفؤاد شكر القائد العسكري الأول لحزب الله ويعد الرجل الثاني في الحركة بعد حسن نصرالله، وأحد قادة الحزب التاريخيين أيضا. ونعتقد بعد هذه السابقة غير المسبوقة، ستدور مناقشات كبيرة حول سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لاسيما في ذلك التوقيت الحساس، ونسعى في هذا المقال بالمساهمة في هذا النقاش. تعد سياسة الاغتيالات سياسة إسرائيلية راسخة منذ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة. فإسرائيل تعد من أكثر الدول في التاريخ التي قامت بعمليات اغتيال لخصومها، ففي العقد الأخير فقط اغتالت العشرات من قادة ورموز حركات المقاومة وعلى رأسهم الشيخ ياسين الزعيم التاريخي الروحي لحركة حماس. وبعد طوفان الأقصى، نفذت عمليات اغتيال ضد قادة بارزين في حماس وحزب الله كان أشهرها اغتيال الشهيد صالح العرورى. وتؤمن إسرائيل إيمانا راسخا بأن سياسة الاغتيالات ضد قادة ورموز حركات المقاومة تحقق لها مجموعة أهداف استراتيجية، لعل أهمها إضعاف هذه الحركات عبر تصفية الشخصيات الأكثر تأثيراً وخبرة سواء سياسيا أو عسكريا أو رمزياً، وتسمى هذه الاستراتيجية بـ «قطع الرؤوس». ولعل اغتيال فؤاد شكر ذي الخبرة العسكرية الميدانية التي تمتد لأكثر من عقدين، والمسؤول الأول عن مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، يؤكد منطق إسرائيل من سياسة الاغتيالات. ومن الجدير بالذكر أن سياسة قطع الرؤوس سياسة أمريكية راسخة في مواجهة خصومها أيضا نقلتها من الخبرة البريطانية الطويلة في المنطقة، حيث عادة ما كانت تعتقد وتنصح بريطانيا أن المنطلق الرئيسي للقضاء على أي حركة أو تيار، أو إخضاعه هو القضاء على قادته أو ترويضهم. وتؤمن إسرائيل أيضا أن سياسة الاغتيالات، سياسة غير مكلفة لإسرائيل، تساهم في تعزيز شعبية القيادة الحاكمة، ورفع الروح المعنوية للشعب والجيش الإسرائيلي. حيث تقدم إسرائيل على عملية الاغتيال ومتيقنة أن الرد على هذا الاغتيال لن يكون بمستوى الرد على عملية عسكرية كبرى أو يتطور إلى حرب شاملة. وبالتالي، تعده إسرائيل انتصارا معنويا كبيرا بدون تكلفة عسكرية وبشرية ومادية كبيرة. هذا بخلاف ما تعقده إسرائيل من إضعاف قوة حركة المقاومة، وزعزعة روحها المعنوية، وإضعاف شعبيتها خاصة إذا أقدمت على اغتيال رمز كبير من رموزها. وعطفا على ذلك، ربما تعتقد إسرائيل سياسة الاغتيالات الممنهجه لقادة حركات المقاومة، ستخلق عملية إحجام عن تولى مناصب قيادية حساسة أو هامة داخل حركات المقاومة خاصة القيادات غير القابلة للمهادنة مع إسرائيل. أو على العكس ستساهم في صعود قيادات ضعيفة قابلة للمهادنة والرضوخ لإسرائيل أو لديها استعداد دائم لتنحية ورقة المقاومة المسلحة مقابل التفاوض غير المشروط. سياسة الاغتيالات الإسرائيلية: رهان فاشل على المدى الطويل ونتائج عكسية مخيبة لا يمكن إنكار أن اغتيال كبار القادة والرموز في حركات المقاومة أو أية جماعة أخرى سياسية أو حتى إرهابية، من شأنه إحداث إرباك شديد في صفوف الحركة، وربما إضعاف لكنه في كل الأحوال «مؤقت» أو قصير المدى. ومع حركات المقاومة خصيصا التي تقاوم من أجل قضية عادلة تاريخيا وقانونياً كالقضية الفلسطينية؛ فتداعيات الاغتيالات لن يزعزع من الروح المعنوية أو عقيدة المقاومة لتلك الحركات، أو يدفعهم للاستسلام، بل على العكس تزيدهم صلابة وشعبية. وليس هذا محض خيال إنشائي، بل حقيقة قد رسخها الزمن. أقدمت إسرائيل على اغتيال العشرات من أبرز قيادات حماس؛ وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من القيادات لا تقل كفاءتهم أو خبرتهم عن الأجيال المغتالة، وتعاظم أعداد المنتمين للحركة، بالإضافة إلى زيادة شعبيتها داخل فلسطين وخارجها. وكانت المحصلة النهائية المخيبة تماما لإسرائيل، هو قيام هذا الجيل بعملية طوفان الأقصى التي تعد أكبر هزيمة في تاريخ إسرائيل. وينطبق ذلك أيضا على حزب الله اللبناني، الذى أصبح بعد عشرين عاما من اغتيالات ممنهجة لقادته أكبر تهديد وجودي لإسرائيل.