10 سبتمبر 2025
تسجيلليس السفر سوى أحد معاني الانتقال، والتحوّل من حالٍ إلى حال، والإسفار عن الطبائع والأمزجة، والاكتشاف للرغبات والأهواء، وليس ذلك بقاصرٍ بالطبع على سفر الأجساد، والانتقال بين الأمكنة، وإنما السفر الحق هو ذاك الذي يهاجر بك إلى بواطنك ويتنقل بك إلى ساحات التأمل والتفكر، ويُسفر لك من نفسك قبل أي أحد عن جوانب لم ترها من قبل، ويكشف لك من العوالم داخل ذاتك ما لم تلتقِ به قط، ويتناهى بك من حالٍ إلى حال في جوانب وجدانك، ويرتحل بك من محدودية الفكر إلى براح التفّكر، ومن ضيق زاوية النظر إلى سعة التقبّل، فتستحث في نفسك المرونة، ولياقة السماحة مع ذاتك ومع الآخرين، وتتكشّف لك انعكاسات طبائعك مع من حولك، وطرائقك في التعامل مع ما يحيط بك فلا تعود إلا وقد انشرح خاطرك، وتواضعت أناك، وتعمّق فكرك، وتبسّط خلُقك، واتسع إناؤك ليفيض رحابة وسعة. ومن جهةٍ ثانية فإن السفر إحدى الوسائل التي تُشهدك على غيرك، فالناس يعرفون بعضهم حق المعرفة أثناء هذه التجارب، فما السفر سوى إسفار عن طبائع الناس وأخلاقهم وأمزجتهم، ومدى خيريتهم وإشراق النور فيهم، وليس بالضرورة أن يكون ذلك كله لشرور ذواتهم، وإنما قد يعود لاختلاف أمزجتهم عن مزاجك، وتباين طبائعهم عن طبعك، وعدم توافقهم فيما أنت عليه من المسلك، فلا يعدو السفر حينئذٍ سوى تجربة غنيّة تضيفها إلى تجاربك، وخبرة ثرّية تزيد من عمق نظرتك لنفسك وللأنام من حولك. فإن لم يكن لك نصيب من ذلك كله فلن تنال من سفرك سوى انتقال الأجساد، ومتعة مؤقتة للحواس، ووعثاء التنّقل، ونَصبْ التجوال. *لحظة إدراك: ليس السفر الحق سوى إدراك للذات، وتهذيب للنفس، ورحابة للتجربة، وعمق للخبرة، وتوثيق للأواصر، وحسن انتقاء للصحبة، وطيب اجتباء للأقرب. وكما قيل: سافرْ ففي الأسفار خمسُ فوائد تَفَــرُّج هـمٍّ واكتساب مــعيشـة وعلـم وآداب وصحبة ماجـد