13 سبتمبر 2025
تسجيلبات من المسلمات حرص واهتمام الرؤساء الأمريكيين بتخليد إنجازاتهم وإرثهم الرئاسي كما شرحت في كتبي عن مبادئ الرؤساء الأمريكيين من جورج واشنطن إلى باراك أوباما، كرجال دولة وقادة الدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً على المستوى الدولي - في تهديد أو تعزيز الأمن والاستقرار والحرب والسلم والرخاء. أحرقت حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي الرئيس جونسون وأجبرته على عدم خوض رئاسة ثانية عام 1968. وبرغم تصنيف الرئيس ريتشارد نيكسون من الرؤساء العظام والمؤثرين مع وزير خارجيته هنري كيسنجر، لانفتاحه على الصين وتصديه للسوفييت والشيوعية في الحرب الباردة، لكن فضيحة وترغيب، أجبرت نيكسون على الاستقالة عام 1974! ودمرت إرثه، وأدخلته التاريخ بكونه أول رئيس أمريكي يجبر على الاستقالة، وإلا كان الكونغرس سيعزله. وبرغم نجاح الرئيس كارتر وإدارته بالتوصل لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل محققاً اختراقاً تاريخياً كسر عزلة إسرائيل وأخرج مصر من الصف العربي عام 1979-وحسب مقولة كيسنجر الشهيرة «لا حرب في الشرق الأوسط بدون مصر ولا سلام في الشرق الأوسط بدون سوريا»، إلا أن الانهيار الاقتصادي وفشل الرئيس كارتر في إنقاذ الدبلوماسيين الرهائن المحتجزين في إيران بعد الثورة عام 1979. خرج بإرث ضعيف ويصنف من الرؤساء الضعاف لعجزه عن كبح التدهور الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة والفائدة. ما جعله رئيسا لفترة واحدة!. أما إرث الرئيسين ريغان وبوش الأب فكان تسريع إنهاء الحرب الباردة وإنهاك الاتحاد السوفييتي وسقوطه وتحول النظام العالمي لنظام أحادي القطبية بقيادة وهيمنة أمريكا عليه. وتدشين نظام عالمي جديد وتحرير دولة الكويت وإعادة الحياة للأمم المتحدة بعد أربعة عقود من شللها بسبب تبادل الفيتو بين الأمريكيين والسوفييت طوال مرحلة المواجهة والتصدي والاحتواء وحروب بالوكالة من كوريا وفيتنام إلى أفغانستان والشرق الأوسط ونيكارغوا وأنغولا!. فاز الرئيس بوش الابن مرتين بطرق غير مسبوقة. وكان أول رئيس ينُصّب بحكم تاريخي من المحكمة العليا عام 2000 برغم خسارته التصويت الشعبي لآل غور نائب الرئيس كلينتون. تثبت استطلاعات الرأي الرئيس أن الرئيس بوش الابن-الأقل شعبية، بسبب تخبطه بالسياسات الأمنية والدفاعية والخارجية وشنه حروبا على الإرهاب واستباقية غير شرعية واحتلال أفغانستان والعراق. وجعلت جماعة «المحافظون الجدد» أمريكا دولة مارقة تحتل دولا وتدمر توازن القوى الهش في الشرق الأوسط والخليج وتقلق حلفاءها ويتحداها خصومها!، وتحولت إيران لدولة بنفوذ إقليمي، وكوريا الشمالية دولة نووية-وتعمقت كراهية أمريكا. ووُصف إرثه بالرئيس الأكثر إضراراً بسمعة ومكانة أمريكا. وبقيت عقدة إرث الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن لثمانية أعوام منع إيران امتلاك السلاح النووي. حتى لا يسقط من قائمة الرؤساء المميزين والعظماء. لذلك خاض الشيطان الأكبر مفاوضات سرية وعلنية لسنوات للتوصل لاتفاق نووي بين إيران ومجموعة (5+1)-عام 2015-على حساب الحلفاء الخليجيين. ما عمق «معضلة الحلفاء الخليجيين الأمنية» بتضخيم الهجران والتبعية بين حليف قوي وحلفاء ضعاف. وسمح لإيران في عهده بالتفاخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية!. وتلطخ إرث الرئيس ترامب بتجاوزات، وخالف برعونة ونزق وقلة خبرة سياسات رؤساء أمريكا الثابتة، بعقلية التاجر وليس الزعيم. فتعامل داخلياً وخارجياً بمفهوم المقايضة وليس بعقلية رجل دولة الحاذق. انسحب من الاتفاقيات التي وقعها الرئيس أوباما-الاتفاق النووي مع إيران واتفاق باريس للمناخ.. واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل! وتفاوض مع طالبان للانسحاب من أفغانستان. وأثار ترامب قلق الحلفاء الخليجيين برغم جعل السعودية، بخلاف جميع الرؤساء السابقين، وجهة رحلته الخارجية الأولى إلى المملكة العربية السعودية. لكنه لم يحرك ساكناً عندما اعتدي على منشآت أرامكو وابقيق وخريص في المنطقة الشرقية بأسلحة وصواريخ ومسيرات إيرانية عام 2019-مدعياً أن ذلك حدث في السعودية وليس الولايات المتحدة الأمريكية. ترك ترامب إرثاً مرتبكاً وأساء لمكانة ودور أمريكا. وبرغم خسارته انتخابات التجديد عام 2020 لجو بايدن في التصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي-إلا أنه طعن بالنتيجة دون أي دليل أو إثبات ووصف الانتخابات بالمزورة وتشبه انتخابات دول العالم الثالث! وحرّض أنصاره على اقتحام الكونغرس! ولتعميق مأزقه وتفرده بكونه الرئيس السابق الوحيد الذي حوكم مرتين في الكونغرس، ووجه له القضاء وهيئة المحلفين والمحقق الخاص ثلاث تهم فيدرالية جنائية على تجاوزات أخلاقية وإخفاء وثائق سرية والتلاعب بنتائج انتخابات مقاطعة فولتون في جورجيا ولم تحسم هيئة المحققين اتهامه بتحريض أنصاره اقتحام الكونغرس. وورث الرئيس بايدن أمريكا منقسمة ومتصارعة من ترامب، وتفاخره «أمريكا أولاً» وتكريسه صورة ومكانة سلبية للولايات المتحدة في الخارج! وقراره الترشح لرئاسة ثانية برغم تجاوزه 80 عاماً، يجعله أكبر رئيس بتاريخ أمريكا عمراً!، يظهر ذلك بهفواته وشبه ضياعه المتكرر لتقدمه بالعمر. ما قد يؤثر على إرثه. لكن يُحسب للرئيس بايدن إخراج أمريكا من وباء كورونا. يكرر الرئيس بايدن بسخريته من حصاد ترامب: «عندما أؤكد أمريكا عادت لقيادة النظام العالمي يسألني بعض القادة «إلى متى ستمسك بزمام القيادة قبل تراجعها»! كما يؤخذ على بايدن الانسحاب المرتبك والفوضوي من أفغانستان، لكن يحرص بايدن على تكريس إرثه بمواجهة روسيا والصين وخاصة بعد حرب أوكرانيا. وبمنع إيران أن تصبح دولة نووية السلاح في رئاسته في تكرار لموقف إدارة الرئيس أوباما، الذي كان بايدن نائبه. ما يدمر إرث بايدن كلياً. لكن واضح هدف الرئيس بايدن بعد نصف قرن في العمل السياسي سناتور ورئيس-التميز بمواجهة روسيا والصين، وتحقيق اختراق تاريخي بإعطاء اهتمام وأولوية لتحقيق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهي مبادرة غير واقعية نظراً لتطرف إسرائيل، ليتجاوز انجاز الرئيس كارتر باتفاقية سلام تاريخية بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد عام 1979. نفصل في مقال الأسبوع القادم.