11 سبتمبر 2025
تسجيلالحرية الأكاديمية ليست حقا للجامعات وأعضاء هيئة التدريس فقط، ولكنها حق للمجتمعات أيضا؛ فبدونها لا يمكن أن يتقدم البحث العلمي أو يتم بناء المجتمعات المعرفية التي تشكل أساس الاقتصاد في القرن الـ21. لقد كان غياب الحريات الأكاديمية من أهم الأسباب التي جعلت الجامعات غير منتجة للمعرفة، وأدى ذلك إلى هجرة الكثير من العقول إلى الدول الغربية التي يتمتع فيها الباحثون بالحرية التي تمكّنهم من إنتاج الأفكار الجديدة. والجامعات لا يمكن أن تتقدم أو تزدهر إذا لم تتم حماية حق كل باحث أو عضو هيئة تدريس في إنتاج المعرفة ونشرها وتدريسها، والتعبير عن رأيه، وعرض الأسئلة التي تفتح المجالات لتطوير البحث العلمي. وهناك علوم معينة - مثل السياسة والإعلام والاجتماع والحقوق والآداب- لا يتم إنتاج المعرفة فيها، أو تأهيل الطلاب وإعدادهم ليكونوا قادة للمجتمعات إذا تم تقييد حرية الأساتذة في التدريس وفرض الرقابة عليهم وإثارة الخوف في نفوسهم؛ فماذا يمكن أن يقول أستاذ الإعلام لطلابه في المدرجات إذا شعر أن أمنه مهدد عندما يتحدث عن حرية الإعلام وأخلاقياته، وماذا يدرّس أستاذ السياسة لطلابه وهو لا يستطيع أن يتحدث عن النظام السياسي أو الديمقراطية وخطورة الاستبداد والديكتاتورية على المجتمعات. هناك اتفاق عام في كل جامعات العالم على أن الأساتذة هم من يديرون الجامعة وكلياتها وأقسامها، وهناك تقاليد يتم احترامها عند اختيار الأساتذة لتولي تلك المناصب، وتلك التقاليد والأعراف الجامعية المستقرة تجعل الأساتذة يطمئنون على أنهم يمكن أن يحصلوا على فرصهم في تولي تلك الوظائف إذا تم استيفاء الشروط العلمية، ولذلك يتفرغ عضو هيئة التدريس للبحث العلمي، ويعمل جاهدا لتطوير قدراته في التدريس، لأنه لا يحتاج إلى وسائل أخرى للحصول على تلك المناصب. هذه التقاليد الأكاديمية فتحت المجال لتحقيق استقرار الجامعات في الكثير من دول العالم التي كفلت لكل أستاذ حقوقه، فأصبح يعرف المؤهلات العلمية والعملية التي يجب أن يحصل عليها ليتولى الوظائف الأكاديمية ابتداء من رئاسة القسم حتى رئاسة الجامعة، والكثير من الجامعات طبّقت نظام الانتخاب؛ ليتولى تلك الوظائف من يحصل على اعتراف أغلبية الأساتذة بأحقيته وأهليته وقدرته على إدارة شؤونها، وتحقيق العدل بين الأساتذة، وقيادتهم لتطوير البحث العلمي، وهذا من أهم العوامل التي أهّلت الكثير من الجامعات في العالم لتكون جامعات منتجة للمعرفة تسهم في تطوير الصناعة والزراعة والاقتصاد والسياسة والمجتمع والإعلام. وهل يمكن أن يفرض باحث أو أستاذ الرقابة الذاتية على نفسه؟! وهل يستطيع أن ينتج المعرفة عندما يمنع نفسه من التعبير عن أفكاره خوفا أو طمعا؟! إن الحرية الأكاديمية هي الطريق الوحيد لبناء جامعات تنتج المعرفة وتبني المجتمعات المعرفية وتطور الاقتصاد القائم على المعرفة؛ ولذلك يجب أن يبدأ الأكاديميون العرب مرحلة جديدة للدفاع عن الحرية الأكاديمية لبناء مستقبل يقوم على المعرفة. الجزيرة نت