12 سبتمبر 2025

تسجيل

سوريا وخطايا الرياض وأبوظبي

30 يوليو 2019

بينما نحن نناقش، في هذا المقال، ما جرى ويجري في سوريا، يتعالى، في مدن وقرى محافظة إدلب، نحيبُ طفلٍ في الخامسة من عمره وهو يمسك بيد أمه التي غطت الأنقاض جسدها الممزق، ويجر شابٌّ رجليه المبتورتين من ركبتيهما، والناس حوله يتراكضون وسط الغبار والصراخ والأنين والبكاء، فيرفع عينيه إلى السماء محاولاً ترديد اسم الله تعالى لكن الدماء التي تملأ فمه تمنعه فيردده بقلبه، ثم يرتجف جسده للحظاتٍ قبل خروج روحه لتلتحقَ بأرواحٍ طاهرةٍ لم تجد عدالةً ورحمةً في ديارٍ يعيثُ فيها المستبدون فساداً، وتخفق راياتٌ شوهاءُ زرعت السعودية والإمارات أصحابها في جسد الثورة السورية لتخريبها من الداخل. 1) كي لا ننسى: عندما خرج أهالي مدينة درعا، في جنوبي سوريا، سنة 2011م، كان لهم مطلبٌ واحدٌ هو إطلاق سراح أطفالهم المعتقلين في سجن أمن الدولة، وكانوا يطلبون تدخُّل الرئيس لتحقيق مطلبهم، أي إنهم لم يطالبوا بإسقاط النظام، ولا رفعوا سلاحاً، لكن بشار أرسل إليهم الجيش فقتل منهم كثيرين معتقداً أن دماءهم ستجعل الشعب يركع في محراب الخوف، إلا أن السوريين خرجوا في كل سوريا في مظاهراتِ تأييدٍ لأشقائهم في درعا، فرفع الأسديون شعار: الأسد أو نحرق البلد، ثم ارتكبوا المجازر، فحمل الشعب السلاح دفاعاً عن نفسه. ومرت السنوات، فأحرق بشار البلد، وهجَّرَ أهلها، وأوصلها إلى هاوية التقسيم. 2) الخطايا الظبيانية: كان النظام السوري، في السنة الأولى للثورة، يترنح ويكاد يستجيب لمطالب الشعب في انتقالٍ سلميٍّ للسلطة، لكن أبوظبي أمدته بالأموال، وموَّلت جزءاً كبيراً من عمليات تجهيز وإدخال ميليشيات لبنانية وعراقية إلى سوريا للدفاع عنه. فقد خافت قيادتها من نجاحٍ للشعب السوري يشبه نجاح التونسيين، وهو أمر لا يمكنها القبول به لأن أوهامها الإمبراطورية مرهونةٌ ببقاء العرب ممزقين ضعفاء راضين بالعبودية للمستبدين. وكما تفعل، اليومَ، في القدس من شراءٍ لبيوت المقدسيين لصالح الصهاينة، فإنها تسهم في تغيير التركيبة السكانية في سوريا عبر تمويل شراء الأراضي لصالح محسوبين على النظام. ولم تكتف بذلك، فقد أصبحت ملاذاً آمناً لمجرمين وفاسدين سوريين يقيمون فيها، ويودعون في مصارفها عشرات مليارات الدولارات الملطخة بالدماء، والتي نهبوها من الشعب السوري الذي لن ينسى خطاياها ومواقفها المخزية معه. 3) الخطايا السعودية: كان هناك تياران داخل الأسرة المالكة السعودية؛ الأول، يدعو لإسقاط النظام ودعم إعمار سوريا. والثاني، يرى ما تراه أبوظبي. فقامت القيادة المارقة لتلك الإمارة بدعم التيار الثاني الذي لم يصبح تابعاً لها فحسب، وإنما شاركها في كل خطاياها في عالمنا العربي. ففي سوريا، كانت الرياض منزعجةً من التأثير القطري الإيجابي الفاعل الداعم للشعب السوري، فأخذت تشن حملاتٍ إعلاميةً شعواء ضده، أدرك الجميع، فيما بعد، أنها كانت جزءاً من مؤامرة الحصار الهادفة للاستيلاء على ثروات بلادنا، واستكمال الوهم المرضي المزمن لدى الرياض وأبوظبي في إسكات صوتها المناصر للشعوب. ولأن الرياض استفادت كثيراً من تجاربها في إنشاء ورعاية الجماعات المتطرفة العنفية في أفغانستان، فإنها قامت بنفس الأمر في سوريا، فتكاثرت تلك الجماعات كالفطر السام، وكان عدد كبير من قادتها ومقاتليها ومنظريها من السعوديين. وبما أن الرياض تتخذ منهج أبوظبي في التعامل التجاري مع مصائر الشعوب، فإنها أخذت تدعم الانفصاليين الكرد في شمالي وشرقي سوريا، وأخذ ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي، يتجول في الرقة ودير الزور والحسكة للإشراف على مخططاتهم الانفصالية، معلناً بذلك دعم قيادته للتقسيم، ومستكملاً خطاياها في سوريا. 4) الخطايا ليست عبثاً: يخطئ كثيرون إذا لم يقرؤوا خطايا أبوظبي والرياض في سوريا واليمن ومصر وليبيا دون أن يربطوها بسياساتهما تجاه الكيان الصهيوني. فاندفاعات البلدين بحماسةٍ لمحو فلسطين وآيات القرآن الكريم التي تؤكد قدسيتها تأتي في سياقٍ متصل بسعيهما لتدمير الدول العربية. وهذا الأمر الخطير يدفعنا لإعادة قراءة التاريخ بعينٍ مدققةٍ، لأن جذور خطايا الحاضر نبتت من بذور خطايا قديمةٍ تمت زراعتها منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني، وربما قبل إعلانه، مما سيجعلنا نعرف الأسباب الحقيقية لاستمرار وجوده وتعاظمِ انقساماتنا وضعفنا.