13 سبتمبر 2025

تسجيل

يا أخي.. عيدك سعيد

30 يوليو 2014

أيّام القبيلة والخيمة، كان ما يربط بيننا القيم والتقاليد، كنت أخي في الرضاعة، نجرّ معاً قربة الماء إلى الظلّ، ونحسوا اللبن الرائب مع التمر، ويلمع بيننا خنجر في الظلام، ثم يسيل الندم، وتهمي محبة إلهية بيننا فنتصالح، ونرعى القطيع مشرفَيْن معاً من السهب الفسيح على المضارب تكتحل بالغروب. وعندما هجرنا المضارب وانتقلنا إلى بيت اللّبن، بيوت الطين والحيطان التي تنزّ في الشتاء، والسقوف التي تدلف بعد كلّ مطر؛ صرنا مواطنين في دولة ذات علم ونشيد وطني وجيش وحروب مقدّسة وكتب تاريخ وجغرافيا، وأحلام بالسفر وجمع المال. وكنت أخي -في الوطن- وأكلنا معاً طبيخ الباذنجان والبندورة، الوجبة التي تشترك فيها كلّ عائلة ريفية ثلث أيام السنة على الأقل، وحمدنا الله بعد كلّ رشفة ماء أو شاي، حصدنا معاً، وانتظرنا الغيم ومارس وخفنا معاً من عصا الأستاذ، ولعبنا الكرة كأي ريفيّ يسوق أمامه الكرة، ويشوطها إلى البعيد، سافرنا معاً بالباصات إلى دمشق، كنت طالباً في جامعة وكنت جندياً، عدتُ من الإجازة، وعدتَ من العطلة، شكوتَ لي تعالي الزملاء والزميلات على ريفيٍّ لا يتقن غير حفظ المقررات، وشكوتُ لك سطوة الضابط وقسوته، وكنا نرقب الغروب في مقهى الحجاز، تملأ وجوه الغرباء معان لا قبل لي بوصفها الآن.والآن.. الآن.. تناثرنا في الجهات وسكنّا الأبراج والشقق الضيّقة، عرفتُ أنك في بلادٍ وشاهدنا معاً مباريات الريال والبرشا، وأكلنا الشيبس وشربنا الكولا والبيبسي، وتواصلنا عبر الفيس والتويتر والواتس والهوتميل والياهو. ما بيننا الآن كثير، بيننا هواتف السامسونج، ولابتوب التوشيبا، وتلفزيون الـ سوني وثلاجات LG..الآن يا أخي في الإنسانية، في انتظار أخبار الدم السوري في النشرات الحمراء.الآن الغروب الذي نشاهده معاً، هو ذاك الذي نسرقه من شاشة التلفزيون مطلة على غروب مدينة ما، نتوهم أنها سورية. الغروب الآن شمس لا تنام، بين الدوحة وبرلين وسان فرانسيسكو وبيروت والقاهرة والزعتري وأنطاكيا وعينتاب وأربيل والسليمانية وموسكو وأستانبول وباريس ومرسيليا، الشمس التي تقاذفها السوريون من منافيهم ككرة مضرب، تؤكد لنا أن الفصول الأربعة محض وهم، وأن الشتاء لا يرحل، الغروب الذي نتخيله هو ذلك الغروب الذي نضبطه على توقيت البلاد، فتقول لأخيك الصائم هناك إفطاراً هنيئاً والشمس في كبد السماء الكندية، تقول لأمك تسحري جيداً وأنت تستعد للذهاب إلى العمل في بلد آسيوي، لم يعد ثمة مضارب تتحنّى بشمس الغروب، ولا أحياء تصافح فيها صوت الأذان.حين تجلس على مائدة الفطور في البلاد الغريبة، لوّح للبلاد، لوّح لي وكأننا معاً، نجذب قربة الماء إلى الظلّ معاً، نشرب الشاي معاً في مقهى الحجاز، حين تفطر الآن.. تذكّر أننا أعددنا طعام الفطور معاً، في قطعة عسكرية ما، في غرفة مسـتأجرة ما، في باص على الطريق بين تدمر ودير الزور، في حقل بعيد عن البيت.يا أخي في الدم والرضاعة والوطن والمحبة، يا أخي في (المرحبا) والـ (شلونك) والـ (جاواي) يا أخي في أيام الزيت والزعتر، وبطاقات التموين، وأخبار الثامنة والنصف، وملاعبنا الخضراء.يا أخي يا أخي.. ما بيننا الآن كثير.. كثير.