13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لست من المؤمنين بأن في عالمنا هذا الذي تهيمن عليه لغة السياسة والمصالح، وتظلله شريعة الغاب، إعلاما (حرا أو مهنيا) بنسبة 100 في المائة، ولكن من الثابت قوله إن هنالك وسائل إعلامية تتحرى الدقة في عرض الخبر، وتنشد أعلى درجات المهنية في تحليلها للمعلومة الصحفية، وتتبنى بثبات ورسوخ في ميثاق شرفها ألأعلامي مبدأ إبراز الرأي والرأي الآخر. وهنالك في المقابل وسائل إعلامية أخرى موغلة في الانحيازية للرأي الواحد، وفقيرة من كل قيم العدل والأمانة والصدق في تحري الخبر، وبعيدة كل البعد عن مسألة الاتزان في العرض والطلب للمعلومة الخبرية. العدوان الحالي على غزة، وكما أشرنا في مقال سابق لنا، أنه أبرز للسطح الإعلامي العربي انقساما محزنا وخطيرا بين تيارين متنافرين ومتضادين. تيار إعلامي يمكننا أن نصفه بأنه (إسلامي، قومي عربي، وطني)، يدافع بضراوة عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في المقاومة والعيش الكريم، ويرفض بتاتا مسألة الخلط الفج بين قضايا الاختلاف الفكري (كمثل التي نراها عند من يخالفون حركة حماس الإخوانية أو الجهاد السلفية) وبين مبدأ قومية ومركزية القضية الفلسطينية كقضية تجمع كل شعوب الأمتين العربية والإسلامية. وتيار آخر بدأ يؤسس لحركة انقلابية على المثل والمبادئ الإسلامية والعربية المتعارف عليها في كراهية وعداء شعوبنا الأزلي للكيان الصهيوني، والتي غرست فينا منذ كنا في سبحات المهد ولدان، فبدأ بكل أسف يخلق للمواطن العربي عدوا وهميا آخر اسمه حماس، ويقدم مع ذلك بتعابير مباشرة وغير مباشرة التغطية المخزية والتبريرات الواهية لجرائم العدو البشعة في غزة. وفي خضم كل هذا عاد الهجوم مجددا، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير، على قناة الجزيرة يطفو على السطح، ويتصدر المشهد الإعلامي العربي جنبا إلى جنب مع أخبار الهدم والتدمير وأرقام القتلى والجرحى في غزة. لدينا بعض التحفظات على سياسة القناة، شأننا شأن الكثيرين من بني جلدتنا، تجاه تناولها الإعلامي للشأن السياسي في السودان، خصوصا في السنوات الأخيرة وبعكس بداياتها، إلا أنني لن أنكر ولن أدعي أبداً أنني كنت ومازلت من المعجبين والمبهورين بشكل أدائها الإعلامي الرفيع والمتجدد، والذي مكنها لتصبح اليوم علامة عالمية فارقة في المجال الصحفي والإعلامي. لسنا هنا في هذا المقال بصدد الهجوم أو الدفاع أو التطبيل أو التقييم لأداء وسياسة القناة، لكنني، وفي سياق الحديث عن غزة تحديدا، غبطت القناة بطواقمها (الفنية والإعلامية) على كسبهم الإعلامي الناجح من خلال تغطيتهم للأحداث الدموية في القطاع، خصوصا في مهمة نقل الصورة كاملة للمشاهد في كل أنحاء العالم (العربي والإسلامي منه على وجه الخصوص). ويبقى الغريب والعجيب في الأمر أن اختلافي وتحفظي على التناول الإعلامي للقناة للشأن السياسي السوداني، وكذلك قد يأتيك أخ ثانٍ من مصر له أيضا بعض التحفظات على شكل وتناول القناة للشأن المصري، وثالث من العراق، ورابع من سوريا، وهلم جرا، نرى أن كل هذه التحفظات المشروعة لا يمكن لها أبداً تحت أي مسوغ أن تجرنا بغباء وبلاهة لنكون ضمن حملة هجوم والعداء المسفر للقناة (الذي له أغراضه المفضوحة) في ما يخص تغطيتها المميزة لأحداث غزة، جنبا لجنب ليبرمان وبيريز ونتن ياهو. ولأن الجزيرة لم تختلق أرقاما للضحايا من نسج خيال مراسليها، ولم تحبك قصصا مأساوية عن قصف لمساجد ومدارس ومستشفيات وملاجئ تابعة للأونروا من بنان أفكار محرريها، ولم تفبرك مقاطع فيديو لمشاهد مروعة لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب على المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن التي ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية الوحشية من ملكات إبداعات مهندسيها، ولكنها ورغم كل ذلك فإن ما نالها من غضب وهجوم من كلا الجهتين المتضررتين من تغطيتها (إسرائيل ومحبوها وكارهو حماس)، بلغ وفاق أحيانا حد غضب إسرائيل على صواريخ حماس المباركة والمتعددة (جي 75 وآر 160 وغراد وفجر 5 والقسام). في ظني أن الجزيرة (المنحازة لشعب غزة) قد أخطأت خطأ بشعا في نهج وأسلوب تغطيتها للأحداث الدموية الجارية هناك، خصوصا في مسألة تركيز وتوجيه بوصلة اهتمامها وطريقة عرضها للمأساة وللإبادة الجماعية التي نراها ونقلتها لنا كل قنوات العالم الفضائية من الجزيرة أو من غيرها من القنوات الأخرى. لذلك كان على الجزيرة حتى تكسب جمهورا عريضا مضاعفا، خصوصا من الطرف الآخر، أن تقوم ببعض الإصلاحات التي سوف أقدمها لهم في شكل نصائح، علها تجد طريقها للدراسة لتضمن ضمن بند التحديث في سياساتها، وأملا أيضا لتجويد العمل والوصول لقلوب هؤلاء ومن لف لفهم، مع تثبيت أن الحقوق لأفكاري حصرية لشخصي. أولا: على القناة شرح الأبعاد والأهداف الإنسانية للكيان الصهيوني من العدوان على غزة، ممثلا في نزع سلاح المقاومة وتحديدا حركة حماس (الإرهابية) التي تهدد السلام بين الشعبين في المنطقة. ثانيا: التذكير مرارا وتكرارا على رأس كل النشرات الإخبارية أن السبب الرئيسي لما يجري اليوم كان رد فعل قانوني وشرعي على قتل ثلاثة من المستوطنين العزل، وبالتالي وعلى هدى الآية الكريمة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، على الأمتين العربية والإسلامية أن تتفهم دواعي الرد الدفاعي لإسرائيل. ثالثا: التركيز على نجاح إسرائيل، إلى حد كبير، في تدمير شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس (الإرهابية) في إطلاق الصواريخ، والتي يعتقد أنها في حي الشجاعية لتبرير تدمير الكيان الصهيوني لكامل الحي وقتل وتهجير سكانه.رابعا: يجب أن ترسخ القناة لدى الوعي الشعبي العربي أن الجيش الإسرائيلي يتحلى بأعلى درجات المهنية والنجاعة في عملياته العسكرية، ويمكنه أيضا تحقيق أهدافه بحرفية وفي أقصر وقت ممكن وبأقل التكاليف للخسائر البشرية التي تأتي إما بالصدفة أو عن طريق الخطأ.خامسا: كان عليها أيضا أن تقدم لنا صورا لمعاناة الشعب الإسرائيلي وهو مختبئ تحت الملاجئ خوفا من صواريخ حماس الإرهابية، وعن العبقرية العسكرية الإسرائيلية ممثلة في القبة الحديدية التي لولاها لوجدنا أعدادا مماثلة من ضحايا الحرب من الشعب الإسرائيلي كتلك التي توجد في غزة. سادسا: من المهم أن تكرر القناة في نشراتها الإخبارية للمستمع العربي أن صواريخ حماس تطلق بعشوائية تجاه المدنيين العزل في المدن والبلدات الإسرائيلية، ولكن في المقابل فإن الجيش الإسرائيلي يتحرى سلامة المدنيين بشدة قبل أي عملية عسكرية، لذلك فهو يلقي من السماء الرسائل النصية والإعلانات التحذيرية لسكان أي موقع قبل قصفه. هذا غيض من فيض كان يجب على الجزيرة أن تفعله وتزيد عليه الكثير حتى ترضي كل الأذواق والاتجاهات، خصوصا في الطرف الآخر من الضفة (إسرائيل ومحبوها وكارهو حماس)، ساعتها ستكون الجزيرة في نظر هؤلاء قد حققت أعلى درجات العدل والمهنية والصدق في تحري الخبر وفي عرض الرأي والرأي الآخر.......... وفعلا كما يردد ويقال (الاستحوا ماتوا).