17 سبتمبر 2025

تسجيل

غزة.... وداعا حبيبتي شيماء!

09 أغسطس 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قد لا يعرفك الكثيرون يا شيماء قنن، وليس هذا ذنبهم، فقد اختلط الأمر على الناس بين سماع وحفظ قصتك على هولها وبشاعتها، مع بقية القصص المأساوية الأخرى التي تعددت وأصبحت بالمئات من ضحايا أطفال غزة الذين سبقوك للقاء الله بفعل وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية. وصدقا يا حبيبتي شيماء لم أكن لأكتشف هذا الأمر، إلا بعد أن قمت بوضع صورتك في صفحتي بموقع الفيس ثم معلقا عليها (وداعا شيماء ... إلى جنات الخلد حبيبتي) ! انهالت علي بعدها التعازي من زملائي وأصدقائي، وقد اختلط عليهم الأمر فظنوا أن من ماتت هي بنت أحد أقاربي، وأنت والله العظيم يا شيماء أحب وأقرب منهم جميعا! قد يرى البعض أن الله قد رأف بك حينما جعل لك قدرا ولطفا يخرجك من بطن أمك حية ، فلا تحترقي بفعل الصواريخ والقنابل العنقودية الإسرائيلية كما احترق المئات من الأطفال بوحشية ودون رأفة أو رحمة . وقد يعتقد البعض الآخر أن في الأمر حكمة يعلمها الحكيم العليم ليكون جسد أمك هو الملجأ و الحضن الدافئ الذي أوصلك في الأخير إلى قسم الحضانة بمستشفى ناصر وسط غزة بعد أن ضحت أمك بروحها لتعيشي أنت . ولكن العجيب حبيبتي شيماء أن كل الأقدار و الحكم التي دارت بخلدنا ونحن نحمد الله برؤية محياك ، جاءت بعد أيام قليلة معدودات بعكس ما نشتهي، فا نقضت المهلة سريعا وحملت لنا الأنباء الخبر الفاجعة ..... خبر وفاتك يا غالية . شيماء قنن ..... يا زملائي وأصدقائي طفلة كتب الله لها الحياة بعد الممات ، ثم كتب لها الموت بعد أن احتضنتها الحياة مستبشرة ، وما بين هذه المرحلة وتلك وقفت جدتها ميرفت قنن باكية تنظر أليها حتى كادت أن تبيض عيناها من الحسرة والحزن والأشفاق عليها وهي مسجاة ومستلقية أمامها في سريرها بقسم الحضانة بمستشفى ناصر. وقفت يا حبيبتي شيماء جدتك ميرفت قنن بين المسعفين والأطباء وساقاها لا تقويان على حملها، بصوت متحشرج وأنين مسموع تنتحب وتتساءل ولسان حالها يقول من قوله تعالى ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ .بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) . وقفت تصرخ في وجه الجميع متسائلة ... لماذا قررت إسرائيل أن تدفن ابنتي وحفيدتها التي في بطنها حية ؟ ماذا فعلت ابنتي وحفيدتي التي في بطنها حتي يقصفوا بيتها فوق رأسها ؟لم يكن حال جدتك يا شيماء خارجا في غرفة الانتظار بالمستشفى بأحسن من حال من جلست بينهن من النساء الثكالى من ذوي الشهداء والجرحى الذين أكتظت بهن كل مستشفيات القطاع، غير أن المرء ليحتار من كرب وهول فاجعة جدتك التي ابتلاها الله، فجعل قلبها ممزقا معلقا وأحاسيسه ومشاعره مبعثرة وموزعة ذات اليمين وذات الشمال في آن واحد بين شيماء أمك التي توفاها الله ، وشيماء الحفيدة التي تصارع الموت أملا في الحياة . جلست ميرفت جدتك هذه السيدة البالغة من العمر ثلاثة وأربعين عاما على باب قسم الحضانة وهي تغالب حزنها و فجيعتها بقلب صديع وصوت مبحوح تنضح الآلام منه، وصبر موشك أن يستطارا، صامدة بنفس تظللها الثقة وعدم اليأس من مِن رَوحِ اللَّهِ التي لا ييأس منها إلا القوم الكافرون . جلست في الخارج وسط نحيب وعويل الثاكلات اللاتي فجعن مثلها بفقد فلذَات أكبادهن، وهي ترقب حركة الأطباء والمسعفين ، بانتظار الأمل، أو أي معلومات عن حفيدتها الرضيعة التي بقيت على قيد الحياة في بطن أمها الشهيدة . كانت تقول في تلك اللحظات ( كل ما أطلبه من الله أن يحمي لي هذَه الطفلة وتبقى على قيد الحياة . ماتت ابنتي شيماء لكن هذَه الطفلة ستكون ابنتي الجديدة ، وسوف أربيها كما ربيت والدتها ، وسأجعلها تناديني ماما كما كانت تناديني أمها ) . وما هي إلا دقائق معدودات حتى عرفت الجدة ميرفت قنن أن ابنتها شيماء قنن والتي وصلت المستشفى كانت أصلا قد فارقت الحياة من قبلها، وأنه وأثناء إسعاف الأطباء لها أثارت حركة بطنها انتباههم، فاكتشفوا أن جنينا لها يكافح بشدة للحياة فما كان إلا وأن قرر طبيب النساء والولادة على الفور إجراء عملية قيصرية لإخراج الطفلة التي كانت مازالت على قيد الحياة . وخرجتي إلى الحياة حبيبتي شيماء، واستبشرت وحمدت جدتك ميرفت نجاتك من حادثة قصف منزلكم فقررت كل الأسرة إطلاق اسم شيماء عليك تيمنا بروح الشهيدة أمك التي حمتك ببطنها من ترامي وسقوط الأنقاض بعد انهيار منزلكم بدير البلح. وجدت بعدها فيك الصحافة مادة دسمة، وسرعان ما انتشر اسمك سريعا كانتشار النار في الهشيم بين كل وكالات الأنباء العالمية، وهم يصفونك بالمعجزة الربانية بعد أن أخرجك الأطباء حية من بطن أمك الميتة بفعل القصف الدموي الإسرائيلي. انصرف عنك بعدها الإعلام والناس وأنا منهم بعد أن حمدنا الله أنك سوف تعيشين لتكونين رمزا وشاهدا على العصر على وحشية ودناءة وسفالة وجرائم الكيان الصهيوني، وبدأت حتى أسرح كثيرا في خيالي متمنيا لو أن إحدى الدول العربية أو الإسلامية احتضنتك أنت وأسرتك من أجل إكمال العلاج كما قامت من قبل المملكة الأردنية مع والد محمد الدرة بعد وفاة ابنه الشهيد الرمز .بقيت لأيام معدودات جاثية كالجثة الهامدة في قسم الحضانة بمستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوب القطاع، بعد نقلت أليه لصعوبة وضعك الصحي ، وأنت تتنفسين بجهاز خاص للأوكسجين ويتم تزويدك بالغذَاء عبر المحاليل الطبية . ثم تتابعت الأحداث قبل وبعد دخولك المستشفى وأنت غارقة في غيبوبتك بين الأسلاك والمحاليل والأجهزة الطبية التي تحيط بك من كل جانب . فهذَه جريمة أخرى ارتكبها نفس المجرم، حينما أغار وقصف أطفال منتزه الشاطئ غرب مدينة غزة. كانوا في براءة الأطفال يتسابقون ويلعبون ويتحلقون في دوائر صغيرة فرحا بأول أيام عيد الفطر، ولم يكونوا يعتقدون أنهم أيضا صاروا رغم صغر سنهم في نظر إسرائيل ناشطين من كتائب سرايا القدس أو القسام ! في لحظات تحولت أجسادهم النحيلة إلى أشلاء وتناثرت في شوارع غرب المدينة، فانمحت بفجيعتهم كل ملامح وآثار العيد وسط عويل أمهاتهم وصرخات وذَهول المارة والمسعفين الذَين كانوا يقولون (قصفتهم الطائرات، فتت أجسادهم النحيلة، الله أكبر يا عرب أطفال غزة تحرق أجسادهم على الهواء مباشرة). ثم جاءت أخبار فراقك الحياة أو لحاقك بكل أطفال غزة الذَين سبقوك لرحمة الله ، بسبب نقص الأوكسجين الذي حدث بسبب توقف قلب الأم ووفاتها قبل ولادتك . قالت التقارير الطبية عنك أيضا حبيبتي شيماء إن هذا النقص في الأوكسجين تسبب في اختناقك بشكل مفاجئ وموت خلايا الدماغ، ثم فارقتي الحياة . شيماء حبيتي أني أفتقدك اليوم بشدة، فقد منحتينا بصراعك للحياة عزم قوي للصبر والمقاومة ونحن من على البعد عنكم، فكنت أنت بقوتك أصغر مجاهدة ومقاومة فلسطينية في غزة وفرحنا أيما فرح لنجاتك من حادثة قصف منزلك . ثم ها أنت اليوم تغادرين مسرح الحياة مفضلة الشهادة وجنب الله على العيش تحت الاحتلال الغاشم وبين جيرانه ومحبيه من العملاء والمنافقين ، دون أن تتركي لنا سوى الأثر الطيب والحزن والانكسار لمأساة شعبك . كنت أتمنى لك طول الحياة يا شيماء حتى تكوني شاهد عصر أمامنا على جرم الكيان الصهيوني، فأراد لك الله الموت والشهادة لتكوني شاهد عصر على انحطاطنا وخزلانا وضعفنا وهواننا وجبننا للزود والدفاع عنك وعن أطفال مخيم الشاطي ورفح وحي الشجاعية وكل قطاع غزة .وهكذا دوما هي حكمة الله وتدبيره تعلو على حكمة وتدبير كل خلقه .... أن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وأنا يا حبيبتي شيماء في فراقك وفراق كل أطفال وشهداء غزة لمحزونون ... إنا لله وإنا إليه لراجعون.