13 سبتمبر 2025
تسجيلتجربة ماليزيا تضعني في مفترق طرق عند كل زيارة، في عقد المقارنات الدائمة بين كوالالمبور والعواصم العربية والإسلامية الأخرى!! لماذا نجحت التجربة هناك وأخفقت التجارب الأخرى رغم كل الإمكانيات والثروات والموارد المادية والبشرية عندنا؟!هناك الكثير مما يمكن أن نستفيد منه في التجربة الماليزية في العالم العربي، في مقدمتها مسألة التعايش والتسامح وقبول الآخر وهو العنصر الأبرز في تعزيز الهوية الوطنية الماليزية المتنوعة بأعراقها المالوية والصينية والهندية وأديانها الإسلامية والبوذية والهندوسية وغيرها. وهو ما يعطيها الدافع في الانفتاح والتعلم والاستفادة من التجارب العالمية المختلفة الغربية منها والأسيوية الناجحة بالإضافة إلى الاعتماد على الذات أولا وأخيرا. سياسة النظر شرقا كانت ملهمة وهدفت إلى تشجيع الماليزيين للاستفادة من النموذج التنموي الياباني "خصوصا فيما يتعلق بأخلاق العمل ومنهجية الصناعة والتطور التكنولوجي والسياسات المالية والتجارية" لتحقيق التحديث والارتقاء بالتصنيع بحلول عام 2020، والأخذ بالقيم الآسيوية النافعة من التفاني في العمل والصبر والمثابرة والعمل بروح الفريق الواحد والبعد عن الصراعات.لقد مثلت رؤية ماليزيا 2020، والتي انطلقت عام 1991، خارطة الطريق الملهمة للجميع، وما زالت نجاحاتها في ازدياد وتصاعد مقابل انتكاسة الآخرين خصوصا في العالم العربي الغني منه والفقير، النفطي والزراعي والصحراوي، الذي تتراجع فيه حتى الانجازات القليلة التي تمتع بها خلال التاريخ والحضارة السالفة. لقد أكدت الرؤية كما جاء في الوثيقة على مدنية الدولة الديمقراطية، التي تتمتع بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وذات مصير مشترك وهي دولة تنعم بالسلام الداخلي والسلام في حدودها وتعيش في توافق وشراكة عادلة متكاملة تضم الطائفة العرقية الماليزية مع الولاء السياسي والإخلاص لماليزيا. تهدف إلى إيجاد مجتمع أخلاقي لديه قيم دينية وروحية قوية، وهو مجتمع ليبرالي متسامح ينعم فيه كافة الماليزيين على اختلاف ألوانهم وعقائدهم بحرية ممارسة عاداتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم الدينية، وعلى الرغم من كل ذلك ينتمون جميعاً إلى دولة واحدة، مجتمع علمي تقدمي يدعم الإبداع، لا يقتصر دوره فقط على استهلاك التكنولوجيا بل المساهمة في مستقبل التكنولوجيا العلمية، مجتمع يهتم بالثقافات المتعددة تأتي فيه المصالح الجماعية قبل الفردية، مجتمع ينعم بالعدالة الاقتصادية فيه مساواة في توزيع الثروات وشراكة كاملة في التقدم الاقتصادي، مجتمع ينعم بالرخاء حيث يكون الاقتصاد منتعشاً حيوياً صامداً وله القدرة على المنافسة.