14 سبتمبر 2025

تسجيل

دراما سوريّة

30 يوليو 2013

تابع السوريون باهتمام مسلسلين يتحدثان عن الثورة السورية، الأول وهو "منبر الموتى" ويعدّ الجزء الثالث من "الولادة من الخاصرة" والثاني هو "سنعود بعد قليل". في "منبر الموتى" ثمّة طرح جريء وغير مسبوق، يتعرّض للأسباب الحقيقيّة التي قامت من أجلها الثورة السوريّة، وفي "سنعود بعد قليل" عرض هادئ وحزين لآثار الأحداث الدامية التي عانى منها المجتمع السوري على مدى ثلاثين شهراً ويزيد. يعرض المسلسلان على قنوات غير سوريّة وهذا كافٍ للإشارة أنّ العملين يثيران غضب السلطة، وإن بدرجات متفاوتة، فمنبر الموتى الذي كتبه الصديق الشاعر سامر فهد رضوان يخترق المسكوت عنه في الحياة الثقافية والفنية في البلاد، ويناقش بحيادية الأسباب الحقيقية لثورة الشعب السوري المتمثلة بالقمع والفساد، من خلال تصويره المؤسسة الأمنية التي تحولت إلى مافيات سرطنت الجسم السوري بفساد مستفحل، دون أن يقدّم استثناءات عديمة الجدوى. إذ يعرض المسلسل مظاهر الثراء والسطوة والفساد في حياة ضباط المؤسسات الأمنية في بلد فقير لا يتجاوز راتب الموظف الكبير فيه ألف دولار، بينما تنفرد شريحة من هؤلاء بالسيارات الفارهة والقصور والحشم والخدم دون بيان مصدر رزق واضح غير الوظيفة. وفي الجهة المقابلة كان سكّان البلاد الذي اختزله الكاتب في حيّ المساكن يعانون الفقر والذلّ. وفي " سنعود بعد قليل" الذي كتبه الممثل رافي وهبة عن الفلم الإيطالي "الجميع بخير"، ويصوّر آثار الصراع الدامي على النسيج الاجتماعي دون يتطرّق إلى أسباب الثورة، من خلال أب عجوز يعمل نجاراً فنّياً في النقش على الخشب، يعيش وحيداً في دمشق القديمة بعد وفاة زوجته، وهجرة أولاد الستة إلى بيروت تباعاً، من السياسي الانتهازي الذي نال الجنسية اللبنانية وصار زعيماً لحزب، إلى الفنان التشكيلي التقدمي الذي وقع على بيان دمشق وهرب إلى بيروت، إلى الإعلامي الذي غادر دمشق لأنه لم يجد فرصة عمل هناك، وفرّ بأولاده إلى بيروت بعد ازدياد موجة العنف، إلى التاجر الذي خسر تجارته بعدما غضبت عليه السلطة بعد توقيع أخيه على بيان دمشق فحورب في تجارته وأفلس، وجاء إلى بيروت لينضمّ إلى مافيا تستثمر في الأزمة السورية، إلى البنت التي جاءت تدرس المسرح، وأختها الكبيرة المتزوجة هناك سابقاً من لبناني مغترب في دبيّ. ولكن العجوز المريض الذي يسافر إلى أولاده يصدم بواقع التمزق والتشرد التي يعيشها أولاده كما حال السوريين الآن. وعلى هوامش المسلسل تظهر معاناة السوريين عموماً، كما في وضع النازحة الريفية مريم التي أصبحت بائعة ورد في بيروت، عرضة للذلّ والإهانة، وكما في حال المصوّر السينمائي يوسف صديق الفتاة الشابة، والذي انخرط في الثورة. وكما شاهد المتابعين هذين المسلسلين فإن كثيراً منهم قارن بين العملين، وفاضل بينهما في الرؤية والطرح والسوية الفنية، لكن العملين في رأيي متكاملان، ولا يمكن فصل العملين عن بعضهما، فالأول قدّم لأسباب الثورة السورية والثاني قدّم لنتائجها.