19 سبتمبر 2025

تسجيل

التضخم تحت السيطرة في الاقتصاديات الخليجية

30 يوليو 2012

لحسن الحظ لا تعاني اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر من أزمة تضخم لأسباب متنوعة منها حدوث نوع من تراجع أسعار بعض المنتجات الغذائية الحيوية. طبعا هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية من قبيل الدعم الحكومي لبعض السلع الإستراتيجية فضلا عن عدم حدوث ارتفاع غير عادي للإيجارات وأسعار العقار. وتبين حديثا أن متوسط التضخم قد ارتفع من 3 في المائة في 2010 إلى 4 في المائة فقط في 2011 ما يعني بقاءه تحت السيطرة. لا شك أنه لا يمكن قياس هكذا مستوى من التضخم مع ما كان عليه الحال في 2007 عندما فاق نسبة 10 في المائة في أكثر من دولة خليجية. من نافلة القول توجد علاقة سببية بين ارتفاع أسعار النفط الخام وظاهرة تضخم المستورد والتي بدورها تتسبب في مسألة رفع المعدلات. ومرد الأمر قيام الدول المستوردة للنفط بمستوياتها المرتفعة برفع أسعار صادراتها منها لدول الخليج. وفي الغالب تكون الدول الخليجية مضطردة لاستيراد نفس السلع بأسعارها المرتفعة الجديدة. وربما ليس من المناسب توجيه اللوم لهذه الدول لاتخاذ هكذا خطوات لأنها ترغب بتعويض جانب من الخسائر المالية التي تمنى بها. ويعتقد بأن ظاهرة التضخم المستورد أي من الخارج بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الواردة شكلت نحو 30 في المائة من معضلة التضخم التي جربتها اقتصادات دول مجلس التعاون في الفترة ما بين 2007 والنصف الأول من 2008. لكن لا تعتبر هذه المسألة خطيرة لحد كبير هذه الأيام بالنظر لاستمرار بقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة زمنية ممتدة لعدة سنوات. بل لوحظ في الآونة الأخيرة حدوث تذبذب لأسعار النفط متجهة للأسفل. كما تم رصد توجه لتراجع أسعار المنتجات الغذائية في العالم بدليل انخفاض مؤشر الأسعار التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة بنسبة 1.8 من شهر لشهر في يونيه الماضي. وتعود ظاهرة عدم حصول ارتفاع لأسعار العديد من المنتجات لأمور مثل وفرة العرض والتحسن المستمر في آليات السيطرة على الإنتاج. بل يوجد توقع بانخفاض أسعار الطحين والذرة بواقع 9 و12 في المائة على التوالي مع نهاية العام الجاري. مؤكداً يعد هذا الأمر مهما للغاية لسبب جوهري وهو استيراد دول مجلس التعاون الخليجي لنحو 90 في المائة من احتياجاتها من المنتجات الغذائية من مختلف دول العالم. بدورنا نرى صواب هذا التوجه لأنه ينم عن تقدير لمبدأ التنافسية حيث لا تمتلك الدول الست بشكل عام الكثير من المزايا التنافسية في قطاع المنتجات الغذائية. بالتأكيد هناك استثناءات بل اكتفاء ذاتي لبعض المنتجات مثل التمور في السعودية والمنتجات البحرية في عمان. لا شك يعتبر موضوع الاستيراد دليلا ماديا على تقدير دول مجلس التعاون الخليجي لمبدأ الاقتصاد الحر وانفتاح أسواقها أمام الواردات الأجنبية الأمر الذي يخدم تطلعات المستهلكين للحصول على مختلف السلع وبأسعار تنافسية. بل يندرج الأمر في إطار مفهوم الاستفادة القصوى من الثروات المحدودة. وهناك سبب آخر بالنسبة لمسألة شبه التحكم بمعدلات التضخم وتحديدا الدعم الحكومي للمواد التموينية خصوصا في الكويت ما يعد جزءا لا يتجزأ من طريقة معيشة المواطنين. تقدم الجمعيات التعاونية في الكويت الكثير من المواد المدعومة من قبل الحكومة ما يحد من مستوى التضخم من جهة ويساهم في توفير سبل العيش الكريم للمواطنين والمقيمين. وفي الأسبوع الماضي فقط أعلنت السلطات في البحرين عن فاتورة سنوية قدرها 175 مليون دولار لدعم ثلاث سلع إستراتيجية وهي اللحوم الحمراء والدجاج والطحين. طبعا هذا هو الحال بالنسبة لأصغر اقتصاد خليجي بل إن الأمر يختلف بشكل نوعي بالنسبة للكويت والتي لها باع طويل في تقديم الدعم للمواد التموينية. ثم هناك السبب الأهم أي أسعار الإيجارات والعقارات والتي تشكل أكثر من ربع متغيرات معادلة التضخم. المشهور عدم حصول ارتفاع غير طبيعي لمستويات الإيجارات في الآونة الأخيرة لأسباب تشمل وفرة العرض بالنسبة للوحدات السكنية والمكاتب على حد سواء. وكانت أسعار العقارات في دول مجلس التعاون الخليجي الست قد تعرضت لهبوط في أعقاب ظهور أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة في منتصف العام 2008. والمشهور أيضا عدم استعداد الكثير من ملاك الأراضي والعقارات لبيع الموجودات التي بحوزتهم بأسعار متدنية ربما عملا بمقولة أن العقار يمرض لكن لا يموت. حقيقة القول تراجعت حدة التضخم بشكل نوعي في أعقاب اندلاع الأزمة المالية في منتصف العام 2008 وما سببته من انخفاض في الثقة على مستوى العالم وبالتالي الحد من مظاهر الصرف. في المقابل ومنذ ذلك التاريخ حدث ارتفاع نوعي لأسعار النفط لكن ليس على حساب التضخم. يعد التضخم في النظرية الاقتصادية أكثر سوءا من البطالة نظرا لأن الضرر يصل الجميع ولو بنسب مختلفة. فارتفاع مستوى التضخم يقلل من القيمة الشرائية الأمر الذي يضر مصالح الطبقات العليا والمتوسطة فضلا عن الفقيرة لكن بنسب متفاوتة. الأمر يختلف نسبيا بالنسبة للبطالة في حال كانت ضمن المستويات الطبيعية حيث يقتصر الضرر على البعض أي العاطلين والمرتبطين بهم بمن فيهم المؤسسات المالية المقدمة للتسهيلات. لاشك أننا لا نتحدث عن حد وصول البطالة لمستويات مرتفعة وخطيرة كما هو الحال في إسبانيا في الوقت الحاضر حيث تتراوح نسبة البطالة في حدود 20 في المائة من القوى العاملة. وفي كل الأحوال من شأن بقاء التضخم تحت السيطرة أو عدم خروجه عن نطاق السيطرة تعزيز مستوى المعيشة في الاقتصادات. وخير دليل عل ذلك هو ما يحدث في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر.