10 سبتمبر 2025

تسجيل

حماس تنتصر وإستراتيجية إسرائيل الفاشلة تجعلها أقوى !

30 يونيو 2024

مقال روبرت بيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان «حماس تنتصر» يمكن أن يفتح مجالاعلميا جديدا لدراسة قوة الدول، وبناء مقاييس جديدة تتجاوز التركيز على القوة المادية، وتجعل المخططين الإستراتيجيين يدركون أهمية الفكر والتأثير على الشعوب والرأي العام. ولأهمية ذلك المقال سأركز على أهم ما تضمنه من أفكار يمكن أن تسهم في تغيير الواقع واستشراف المستقبل؛ حيث يرى بيب: أنه بعد 9 أشهر لم تتمكن إسرائيل من هزيمة حماس بالرغم من استخدام القوة المادية؛ حيث ألقت على غزة 70 ألف طن من القنابل، ودمرت أكثر من نصف المباني في غزة، وقتلت 37 ألفا، ومنعت المواطنين من الحصول على الماء والطعام والكهرباء، وتركت كل سكانها على حافة المجاعة. ويؤكد المراقبون أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بالأخلاق، فلم يهتم بحياة السكان في غزة، واعتبر أن قتلهم مقبولا بهدف تدمير قوة حماس.. لكن بفضل العدوان الإسرائيلي أصبحت حماس أكثر قوة، تماما مثلما أصبحت حركة المقاومة الفيتنامية أكثر قوة بسبب عمليات التدمير التي قامت بها القوات الأمريكية في جنوب فيتنام عام 1966. يقدم بيب الكثير من الأدلة على صحة النتيجة التي توصل لها، فبالرغم من عنف الضربات التي تلقتها ظلت حماس متماسكة، وتمكنت من تطوير أساليب حرب العصابات، وعاد مقاتلوها إلى شمال القطاع الذي ادعت إسرائيل أنها تمكنت من القضاء عليهم فيه. لذلك يقول بيب: كان من الواضح أن إستراتيجية إسرائيل فاشلة تماما كما فشلت الإستراتيجية الأمريكية في حرب فيتنام؛ وهذا الفشل يعود إلى إساءة فهم مصادر قوة حماس؛ فإسرائيل فشلت في إدراك أن استخدام القوة التدميرية جعلت عدوها أقوى. يضيف بيب أن المحللين ركزوا طوال الشهور الماضية على أعداد مقاتلي حماس الذين قتلتهم إسرائيل؛ حيث ادعت إسرائيل أنها قتلت 14 ألف مقاتل، لكن التركيز على الأعداد جعل من الصعب تقييم قوة حماس؛ فبالرغم من فقدانها لهذا العدد ظلت حماس تسيطر على غزة، وهذا يعني أنها تتمتع بتأييد هائل من المواطنين، يسمح لها بالحركة، والعودة بسهولة إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي. حتى لو أخذنا بالتقديرات الإسرائيلية لعدد مقاتلي حماس الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي؛ فإن حماس تملك المزيد من المقاتلين لاستعادة المناطق التي خسر الجيش الإسرائيلي الكثير من جنوده للسيطرة عليها، وتستطيع الاستمرار في شن حرب عصابات، وتطوير أسلحتها باستخدام القنابل التي لم تنفجر وإعادة تصنيعها، كما أنها تستطيع ضم الكثير من المقاتلين الجدد، والاعتماد على المواطنين في الحصول على المعلومات الاستخباراتية. وهنا يجب أن نبحث عن مصادر قوة حماس التي يعتبر بيب أن أهمها هو قدرتها على الحصول على مؤيدين متطوعين من المجتمع المحلي في المستقبل. وبذلك يصل بيب إلى أهم النتائج؛ وهي أن قوة حماس لا تقتصر على ما تملكه من عوامل مادية؛ يستخدمها المحللون لإصدار الأحكام على الدول؛ مثل حجم الاقتصاد، وقوة الجيوش وتفوقها التقني؛ فأهم مصادر قوة حماس هو قدرتها على جذب أجيال جديدة، وهؤلاء المقاتلون مستعدون للموت لتحقيق أهدافها. وقدرة حماس على تجنيد مقاتلين جدد متجذرة، وهي تستمد التأييد من مجتمعها المحلي مما يسمح لها بتطوير مواردها المادية والبشرية، وهناك الكثير من المتطوعين الذين فقدوا أسرهم وأصدقاءهم مستعدون للانضمام لحماس التي يشعر المجتمع بأنها تقوم بحمايته ضد العدوان الإسرائيلي. والمجتمع المحلي يعتبر أن هؤلاء المقاتلين الذين يتطوعون في مهام شديدة الخطورة شهداء، وهو يقدرهم ويحترمهم ويكرمهم، ويوفر لهم الشرعية ويفخر بهم. وفي الوقت نفسه تقوم حركات المقاومة بخدمة مجتمعاتها المحلية، والعمل في المؤسسات الاجتماعية مثل المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية، وهكذا أصبحت هذه الحركات مندمجة في مجتمعاتها المحلية. إن القوة الحقيقية لحماس – كما يرى بيب - هو تأييد الشعب الفلسطيني، الذي يرى أن كل العمليات التي تقوم بها مشروعة، وهذا العامل أكثر تأثيرا من القوة المادية، وأدى العدوان الإسرائيلي إلى تزايد مؤيدي حماس وأنصارها، مما أدى إلى زيادة قدرتها على جذب الكثير من المقاتلين المتطوعين الجدد، وأصبحت قوة سياسية واجتماعية وعسكرية لا يمكن القضاء عليها. لكن إسرائيل لا تدرك هذه الحقيقة، وليس هناك نهاية للصراع في غزة، والحرب سوف تستمر، والكثير من الفلسطينيين سوف يموتون، لكن المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل سوف تتزايد.